قال: ثم إني ابتدأت بعلم الكلام فحصلته وعقلته وطالعت كتب المحققين منهم وصنفت فيه ما أردت أن أصنف فصادفته علما وافيا بمقصوده غير واف بمقصودي، وإنما المقصود منه حفظ عقيدة أهل السنة وحراستها عن تشويش المبتدعة فقد ألقى الله تعالى إلى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عقيدة هي الحق على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، كما نطق بمقدماته القرآن والأخبار ثم ألقى الشيطان في وساوس المبتدعة أمورا مخالفة للسنة فلهجوا بها وكادوا يشوشون عقيدة أهل الحق على أهلها.
فأنشأ الله تعالى طائفة من المتكلمين وحرك دواعيهم لنصرة السنة بكلام مرتب يكشف عن تلبيسات أهل البدع المحدثة على خلاف السنة المأثورة.
إلى أن قال: وكان أكثر حرصهم في استخراج مناقضات الخصوم ومؤاخذاتهم بلوازمهم ومسلّماتهم.
إلى أن قال: فلم يكن الكلام في حقي كافيا ولا لدائي الذي أشكوه شافيا.
إلى أن قال: فلم يحصل منه ما يمحو بالكلية ظلمات الحيرة في اختلافات الخلق ولا أبعد أن يكون قد حصل ذلك لغيري بل لا أشك في حصول ذلك لطائفة ولكن حصولا مشوبا بالتقليد في بعض الأمور التي ليست من الأوليات.
إلى أن قال: ثم إني ابتدأت بعد الفراغ من علم الكلام بعلم الفلسفة وعلمت يقينا أنه لا يقف على فساد نوع من المعلوم من لا يقف على منتهى ذلك العلم حتى يساوي أعلمهم في أصل العلم ثم يزيد عليه ويجاوز درجته فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم من غور وغائلة.
إلى أن قال: لم أزل حتى اطلعت على ما فيه من خداع وتلبيس وتحقيق تخييل اطلاعا لم أشك فيه، فاستمع الآن حكايته وحكاية حاصل علومهم فإني رأيتهم أصنافا ورأيت علومهم أقساما، وهم على كثرة أصنافهم تلزمهم وصمة الكفر والإلحاد وإن كان بين القدماء منهم والأقدمين وبين الأواخر منهم والأوائل تفاوت عظيم في البعد عن الحق والقرب منه.
ثم قال: اعلم أنهم على كثرة فرقهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: الدهريون والطبائعيون والإلهيون «١».
الصنف الأول الدهريون: وهم طائفة من الأقدمين جحدوا الصانع المدبر للعالم القادر وزعموا أن العالم، ولم يزل موجودا كذلك، ولم يزل الحيوان من