للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكذوبة على أبي حامد ومنهم من يقول بل رجع عنها، ولا ريب أنه صرح في مواضع ببعض ما قاله في هذه الكتب وأخبر في المنقذ من الضلال وغيره من كتبه بما في ذلك من الضلال، وذكر كيف كان طلبه للعلوم أولا حتى قال: أقبلت بحد بليغ أتأمل في المحسوسات والضروريات وأنظر هل يمكنني أن أشكك نفسي فيها فانتهى بي طول التسلسل إلى أن لم تسمح نفسي بتسليم الأمان في المحسوسات أيضا.

وأخذ يتبع الشك فيها وذكر بعض شبه السوفسطائية في الحسيات إلى أن قال: فلما خطر لي هذه الخواطر وانقدحت في النفس حاولت لذلك علاجا فلم يتيسر إذ لم يمكن دفعه إلا بدليل، ولم يمكن نصب دليل إلا من تركيب العلوم الأولية وإذا لم تكن مسلمة لم يمكن ترتيب الدليل فأعضل هذا الداء ودام قريبا من شهرين أنا فيها على مذهب السفسطة بحكم الحال لا بحكم المنطق والمقال حتى شفى الله تعالى عني ذلك المرض والإعلال وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال، ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقا بها على إيمان ويقين، ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام بل بنور قذفه الله تعالى في الصدور وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف، قال: فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المجردة فقد ضيق رحمة الله تعالى الواسعة، إلى أن قال:

والمقصود من هذه الحكاية أن يعلم أنه كمل الجد في الطلب حتى انتهى إلى طلب ما لا يطلب لأن الأوليات ليست مطلوبة فإنها حاضرة والحاضر إذا طلب بعد واختفى.

قال: ولما كفاني الله تعالى هذا المرض انحصرت أصناف الطالبين عندي في أربع فرق:

المتكلمون: وهم يدعون أنهم أهل الرأي والنظر.

والباطنية: وهم يدعون أنهم أصحاب التعليم والمخصصون بالاقتباس من الإمام المعصوم.

الفلاسفة: وهم يزعمون أنهم أصحاب المنطق والبرهان.

والصوفية: وهم يدعون أنهم خاصة الحضرة وأهل المشاهدة والمكاشفة.

فقلت في نفسي: الحق لا يعدو هذه الأصناف الأربعة فهؤلاء السالكون سبيل طلب الحق فإن شذ الحق عنهم فلا يبقى في درك الحق مطمع.

إلى أن قال: فابتدأت لسلوك هذه الطرق واستقصاء ما عند هؤلاء الفرق مبتدئا بعلم الكلام، ومثنيا بطريق الفلسفة، ومثلثا بتعليمات الباطنية، ومربعا بطريق الصوفية.

<<  <   >  >>