للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهؤلاء يقولون إن هذا القدر يحصل نوع منه لغيرهم من الأولياء لكن يحصل لهم ما هو دون ذلك وهذا على طريقة عقلاء المتفلسفة الذين يفضلون النبي على الفيلسوف والولي كابن سينا وأمثالهم.

وأما غلاتهم كالفارابي «١» وأمثاله الذين قد يفضلون الفيلسوف على النبي كما يفضل أشباههم كابن عربي الطائي «٢» صاحب الفتوحات المكية وفصوص الحكم وغيرهما فإنهم يفضلون الولي على النبيّ.

وكان يدعي أنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى النبي، وإن الملك على أصلهم هو الخيال الذي في نفس النبي، والنبي بزعمهم يأخذ عن ذلك الخيال، والخيال يأخذ عن العقل، ثم زعم هذا أنه يأخذ عن العقل الذي في هذا الخيال، فلهذا قال إنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك ما يوحي به إلى النبيّ، فهؤلاء شاركوهم في أصل طريقهم لكن عظم ضلالهم وجهلهم بقدر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أن أصل معرفة هؤلاء بقدر النبوة معرفة ناقصة بتراء، بل من عرف ما جاءت به الأنبياء وما يذكرونه في قدر النبوة علم أنهم آمنوا ببعض ما جاءت به الرسل وكفروا ببعض، فكما أن اليهود والنصارى آمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض فهؤلاء آمنوا ببعض صفات النبوة وكفروا ببعض، ولهذا قد يكون فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى، وقد يكون في اليهود والنصارى من هو أكفر منهم بحسب ما آمن به كل من هؤلاء بما جاءت به الرسل وما كفروا به.

وأبو حامد كثيرا ما يسلك هذا الطريق في كتبه لكنه لا يوافق المتفلسفة على كل ما يقولونه بل يكفرهم ببعض ويضللهم في موضع، وإن كان في الكتب المضافة إليه ما قد يوافق بعض أصولهم بل في الكتب التي يقال إنها مضنون بها على غير أهلها ما هو فلسفة محضة مخالفة لدين المسلمين واليهود والنصارى، وإن كانت قد عبر عنها بعبارات إسلامية لكن هذه الكتب من الناس من يقول إنها


(١) هو شيخ الفلسفة أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ التركي الفارابي المنطقي له تصانيف مشهورة، من ابتغى الهدى منها ضلّ وحار، منها تخرّج ابن سينا، نسأل الله العافية والسلامة.
توفي سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة عن نحو من ثمانين سنة.
انظر ترجمته في السير (١٥/ ٤١٦) ووفيات الأعيان (٥/ ١٥٣ - ١٥٧) والبداية والنهاية (١١/ ٢٢٤) وشذرات الذهب (٢/ ٣٥٠ - ٣٥٤).
(٢) تقدمت ترجمته.

<<  <   >  >>