للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيرهم يوجبون النبوة على الله على طريقتهم في إيجاب ما يوجبونه عليه، والمتفلسفة قد يوجبون ذلك على طريقتهم فيما يجب وجوده في العالم وغيرهم يوجب ذلك لما علم من عادته في حكمته ورحمته وإعطائه الخلق ما يحتاجون إليه.

وبالجملة فيعلمون نوعها في العالم ثم يعلمون الواحد من الجنس بثبوت حقيقة النوع فيه، وهذه الطريقة يسلكها كثير من المتكلمة والمتصوفة والمتفلسفة والعامة غيرهم، لكن المتفلسفة كابن سينا وأمثاله أدركوا من النبوة بقدر ما أعطتهم موادهم الفلسفية التي علموا بها أن النبيّ يكون له كمال القوة العلمية وكمال قوة السمع والبصر وكمال قوة النفس بحيث يعلم ويسمع ويبصر ما يقصر غيره عنه، ويفعل في العالم بهمته ما يعجز غيره عنه، وهؤلاء يجعلون نفس النبوة ثلاثة أمور:

أحدها: أن تكون له قوة عقلية بل نسبة ينال بها العلم من غير تعلم.

الثاني: أن تكون له قوة خيالية يتخيل بها الحقائق العقلية موجودة خالية وثقة من أجناس منام النائم فيرى في نفسه ضوءا وذلك هو الرسالة عندهم ويسمع، ذلك هو كلام الله عندهم.

الثالث: أن تكون لنفسه قوة على أن تؤثر في العالم.

وهذه الأقوال الثلاثة تحصل لخلق كثير هم دون رتبة الصالحين فضلا عن النبوة، ولهذا كانت النبوة عندهم مكتسبة فصار كثير منهم يطلب أن يصير نبيّا كما جرى للسهروردي المقتول «١» ولابن سبعين.

ولهذا كان ابن سبعين يقول: لقد زدت في حديث قال: «لا نبي بعد نبي عربي» وهؤلاء يجعلون النبوة إنما هي من جنس واحدة وقوة الناس في العلم والقدرة لكن يقول بينهما من الفصل بإرادة النبي الخير، وإرادة الساحر الشر، ويقولون: الملك والشيطان قوى لكن قوة الملك قوة صالحة وقوة الشيطان قوة فاسدة.

وأما من يقول الملائكة والجن هم جنس واحد لا فرق بينهما في الصفات


(١) هو شهاب الدين أبو حفص وأبو عبد الله عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعد بن حسين بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي البكري السهروردي الصوفي ثم البغدادي.
ولد سنة تسع وثلاثين وخمس مائة وتوفي سنة اثنتين وثلاثين وست مائة.
انظر ترجمته في السير (٢٢/ ٣٧٣) والبداية والنهاية (١٣/ ١٣٨ - ١٤٣) ووفيات الأعيان (٣/ ٤٤٦ - ٤٤٨).

<<  <   >  >>