لموسى عليه السلام وقومه ونجاة لهم، وعقوبة لفرعون وقومه ونكالا لهم، وكذلك أمر نوح والخليل عليهما السلام، وكذلك قصة الفيل وغير ذلك.
ومن الطرق أيضا: أن من تأمل ما جاء به الرسل عليهم السلام فيما أخبرت به وما أمرت به علم بالضرورة أن مثل هذا لا يصدر إلا عن أعلم الناس وأصدقهم وأبرهم وأن مثل هذا يمتنع صدوره عن كاذب متعمد للكذب مفتر على الله يخبر عنه بالكذب الصريح، أو مخطئ جاهل ضال يظن أن الله تعالى أرسله ولم يرسله، وذلك لأن فيما أخبروا به وما أمروا به من الإحكام والإتقان وكشف الحقائق وهدى الخلائق وبيان ما يعلمه العقل جملة ويعجز عن معرفته تفصيلا ما يبين أنهم من العلم والمعرفة والخبرة في الغاية التي باينوا بها أعلم الخلق ممن سواهم فيمتنع أن يصدر مثل ذلك عن جاهل ضال، وفيها من الرحمة والمصلحة والهدى والخير ودلالة الخلق على ما ينفعهم ومنع ما يضرهم ما يبين أن ذلك صدر عن راحم بار يقصد غاية الخير والمنفعة للخلق، وإذا كان ذلك يدل على كمال علمهم وكمال حسن قصدهم، فمن تم علمه وتم حسن قصده امتنع أن يكون كاذبا على الله يدعي عليه هذه الدعوى العظيمة التي لا يكون أفجر من صاحبها إذا كان كاذبا متعمدا، ولا أجهل منه إن كان مخطئا.
وهذه الطريق تسلك جملة في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتفصيلا في حق واحد واحد بعينه فيستدل المستدل بما يعلمه من الحق والخير جملة على علم صاحبه وصدقه ثم يستدل بعلمه وصدقه على ما لم يعلمه تفصيلا، والعلم بجنس الحق والباطل والخير والشر والصدق والكذب معلوم بالفطرة والعقل الصريح بل جملة ذلك ممّا اتفق عليه بنو آدم، ولذلك يسمى ذلك معروفا ومنكرا، فإذا علم أنه فيما علم الناس أنه الحق وأنه خير هو أحق منهم به، وأنصح الخلق فيه وأصدقهم فيما يقول علم بذلك أنه صادق عالم ناصح لا كاذب ولا جاهل ولا غاش.
وهذه الطريق يسلكها كل أحد بحسبه ولا يحتاج في هذه الطريق إلى أن يعلم أولا خواص النبوة وحقيقتها وكيفيتها بل أن يعلم أنه صادق بار فيما يخبر به ويأمر به ثم من خبره يعلم حقيقة النبوة والرسالة.
وقد سلك آخرون من المتكلمين والمتفلسفة والمتصوفة وغيرهم طريق أخرى تشبه هذه من وجه دون وجه وهو أن يعلم النبوة أولا وأنها موجودة في بني آدم وأنهم محتاجون إليها ويعلم صفاتها ثم يعلم عين النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم المتكلمون من المعتزلة