للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من عاقل يسمع الخبر عن هؤلاء وعن هؤلاء كما هو موجود في هذا الزمان في الكتب والألسنة، إلا ويحصل له من العلوم الضرورية بأحوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم أعظم ممّا يحصل من العلوم بأحوال ملوك الفرس والروم وعلمائهم وأوليائهم وأعدائهم وهذا بيّن ولله الحمد.

ولولا أن هذا الجواب إنما كان القصد به الكلام على هذه العقيدة المختصرة لكان البسط لي في هذا الموضع أولى من ذلك، فإن هذه المقامات تحتمل بسطا عظيما لكن نبهنا على مقدمات نافعة فإن أكثر أهل الكلام مقصرون في حجج الاستدلال على تقرير ما يجب تقريره من التوحيد والنبوة تقصيرا كثيرا جدّا، كما أنهم كثيرا ما يخطئون فيما يذكرونه من المسائل، ومن لا يعرف الحقائق يظن أن ما ذكروه هو الغاية في أصول الدين، والنهاية في دلائله ومسائله فيورثه ذلك مخالفة الكتاب والسنة بل وصريح العقل في مواضع، ويورثه استضعافا لكثير من أصولهم وشكّا فيما ذكروه من أصول الدين استرابة بل قد يروثه ترجيحا لأقوال من يخالف الرسل من متفلسفة وصابئين ومشركين ونحوهم حتى يبقى في الباطن منافقا زنديقا وفي الظاهر متكلما يذب عن النبوات.

ولهذا قال أحمد وغيره ممن قال من السلف: علماء الكلام زنادقة، وما ارتدى أحد بالكلام إلا كان في قلبه غل على أهل الإسلام لأنهم بنوا أمرهم على أصول فاسدة أوقعتهم في الضلال، وليس هذا موضع بسط هذا، وقد بسطناه في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أن طرق العلم بالرسالة كثيرة جدّا متنوعة ونحن اليوم إذا علمنا بالتواتر بأحوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم علمنا علما يقينا أنهم كانوا صادقين على الحق من وجوه متعددة.

منها: أنهم أخبروا الأمم بما سيكون من انتصارهم وخذلان أولئك وبقاء العاقبة لهم أخبارا كثيرة في أمور كثيرة هي كلها صادقة لم يقع في شيء منها تخلف ولا غلط بخلاف من يخبر به من ليس متبعا لهم ممن تنزل عليه الشياطين أو يستدل على ذلك بالأحوال الفلكية وغيره.

وهؤلاء لا بد أن يكونوا كثيرا بل الغالب من أخبارهم الكذب وإن صدقوا أحيانا.

ومن ذلك: أن ما أحدثه الله تعالى من نصرهم وإهلاك عدوهم إذا عرف الوجه الذي حصل عليه كحصول الغرق لفرعون وقومه بعد أن دخل البحر خلف موسى وقومه كان هذا ممّا يورث علما ضروريّا أن الله تعالى أحدث هذا نصرا

<<  <   >  >>