للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالجملة فالعلم بأنه كان في الأرض من يقول بأنهم رسل الله، وأن أقواما اتبعوهم وأن أقواما خالفوهم، وأن الله نصر الرسل والمؤمنين وجعل العاقبة لهم وعاقب أعداءهم، هو من أظهر العلوم المتواترة وأجلاها، ونقل هذه الأمور أظهر وأوضح من نقل أخبار ملوك الفرس والعرب في جاهليتها وأخبار اليونان وعلماء الطب والنجوم والفلسفة اليونانية كبقراط «١» وجالينوس «٢» وبطليموس «٣» وسقراط «٤» وأفلاطون «٥» وأرسطو «٦» وأتباعه.

فكل عاقل يعلم أن نقل أخبار الأنبياء وأتباعهم ينقلها من أهل الملل من لا يحصى عدده إلا الله ويدونونها في الكتب وأهلها من أعظم الناس تدينا بوجوب الصدق وتحريم الكذب ففي العادة المشتركة بينهم وبين سائر بني آدم ما يمنع اتفاقهم وتواطأهم على الكذب، بل ما يمنع اتفاقهم على كتمان ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، وفي عادتهم الخاصة ودينهم الخاص برهان آخر أخص من الأول وأكمل وهذا معلوم على سبيل التفصيل من حال أمتنا فإنا نعلم علما ضروريّا بالنقل المتواتر من عادة سلف الأمة ودينهم الموجب للصدق والبيان المانع من الكذب والكتمان ما يوجب علما ضروريّا لنا بما تواتر لنا عنهم وبانتفاء أمور لو كانت موجودة لنقلوها.

وأهل الكتابين قبلنا عندهم من التواتر بجمل أمور ما يحصل به المقصود في هذا الموضع، وإن كان قد يجيء كذب أو كتمان في بعض التفاصيل من أهل الكتابين قبلنا، وفي بعض أمتنا فهذا أقل بكثير ممّا يقع من الكذب والكتمان بأخبار الفرس واليونان والهند وغيرهم ممن ينقل أخبار ملوكهم وعلمائهم ونحو ذلك، وما


(١) هو بقراط أبو الطب ولد بجزيرة كوس سنة ٤٦٠ ق. م. وكان أكثر حكمته في الطب وشهرته به حيث تعلمها من أبيه إيرقليدس، ورأى أن صناعة الطب كادت تبيد فرأى أن يذيعها في جميع الأرض وينقلها إلى سائر الناس.
انظر الملل والنحل للشهرستاني (ص ٤٣٢).
(٢) هو جالينوس طبيب يوناني بعد بقراط انظر ترجمته في الفهرس (٣٥٠).
(٣) هو بطليموس القلوذي صاحب المجسطي الذي تكلم في هيئة الفلك وأخرج علم الهندسة من القوة إلى الفعل.
انظر الملل والنحل للشهرستاني (ص ٤٣٨).
(٤) هو سقراط بن سفرنيسقوس الحكيم من أهل أتينية ولد حوالي سنة ٤٧٠ ق. م وكان قد اقتبس الحكمة من فيثاغورس وأرسالاوس واقتصر من أصنافها على الإلهيات والأخلاقيات.
انظر الملل والنحل للشهرستاني (ص ٣٩٩ - ٤٠٠).
(٥) تقدمت ترجمته.
(٦) تقدمت ترجمته.

<<  <   >  >>