للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا من الزبد الذي قال الله تعالى فيه: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ «١». وهذا مذكور في غير هذا الموضع وكلام السلف والأئمة فيما أحدث من الكلام وما أحدث من الزهد مبسوط في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا: أن يعرف مراتب الناس في العلم بالنبوة ومعرفة قدرها وتعدد الطرق في ذلك وأن عامة الطرق التي سلكها الناس في ذلك هي طرق مفيدة نافعة لكن تختلف مقادير فوائدها ومنافعها، وفيها ما يضر من وجه كما ينفع من وجه، وفيها ما ينتفع به من كان عديم الإيمان أو ضعيف الإيمان فيحصل به له بعض الإيمان ويقوى إيمانه، وإن كان ذلك يضر من كان قوي الإيمان ويكون رجوعه إليه ردة في حقه بمنزلة من كان معتصما بحبل قوي وعروة وثقى لا انفصام لها فاعتاض عن ذلك بحبل ضعيف يكاد ينقطع به وهذا باب يطول وصف حال الناس فيه.

وأما ما ذكره أبو حامد من أن هذه الطريقة التي سلكها تفيد العلم الضروري بالنبوة دون طريقة المعجزات، فالإنسان خبير بما حصل له من العلم الضروري وغيره ليس هو خبير بما حصل لغيره من ذلك، وكثير من أهل النظر والكلام يقولون نقيض هذا، يقولون لا يحصل العلم بالنبوة إلا بطريقة المعجزات دون غيرها كما قال أكثر أهل الكلام ومن اتبعهم كالقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وأبي المعالي والمازري وأمثال هؤلاء.

والتحقيق ما عليه أكثر الناس أن العلم بالنبوة يحصل بطرق متعدد:

المعجزات وغير المعجزات ويحصل له العلم الضروري بها كما ذكره أبو حامد بل يحصل له العلم الضروري بالنبوة على الجمل كما ذكره، وعامة من حصر العلم بهذا أو غيره في طريق معينة وزعم أنه لا يحصل بغيرها فإنه يكون مخطئا وهذا كثير ما سلكه كثير من أهل الكلام في إثبات العلم بالصانع أو إثبات حدوث العالم أو إثبات التوحيد أو العلم بالنبوة أو غير ذلك، يسلك أحدهم طريقا يزعم أنه لا يحصل العلم إلا به، وقد يكون طريقا فاسدا وربما قدح خصومه في طريقه الصحيحة وادعوا أنها فاسدة.

وكثيرا ما يكون سبب العلم الحاصل في القلب غير الحجة الجدلية التي يناظر بها غيره فإن الإنسان يحصل له العلم بكثير من المعلومات بطريق وأسباب قد لا يستحضرها ولا يحصيها ولو استحضرها لا توافقه عبارته على بيانها ومع هذا فإذا طلب


(١) سورة الرعد، الآية: ١٧.

<<  <   >  >>