عكسه، لكن إذا كان اللازم والمدلول عليه أظهر من الملزوم الذي هو الدليل كان الاستدلال باللزوم على اللازم خطأ في البيان والدلالة وإن سلك المصنف في إثبات الممكنات تقرير إمكان الأجسام كلها، فهذا دليل طويل وفيه مقدمات متنازع فيها نزاعا طويلا وكثير من الناس يقدح فيها بما لم يمكن دفعه، فإثبات الصانع بمثل هذه المقدمات لو كانت صحيحة كان الدليل باطلا.
وأما المقدمة الثانية: وهي أن الممكن لا بد له من واجب فقد نبه على هذه المقدمة بقوله: (لاستحالة وجودها بنفسها) فإن الممكن هو الذي يقبل الوجود والعدم كما نشاهده من المحدثات، وما كان قابلا للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه كما قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥)«١»، يقول سبحانه:
أحدثوا من غير محدث أم هم أحدثوا أنفسهم، ومعلوم أن الشيء لا يوجد نفسه فالممكن الذي ليس له من نفسه وجود ولا عدم لا يكون موجودا بنفسه بل إن حصل ما يوجده وإلا كان معدوما، وكل ما أمكن وجوده بدل عن عدمه وعدمه بدل عن وجوده فليس له من نفسه وجود ولا عدم، وهذا بيّن.
ومما يقرره أن ما يمكن عدمه بدلا عن وجوده لا يكون وجوده بنفسه إذ لو كان وجوده بنفسه لكان واجبا بنفسه، ولو كان واجبا بنفسه لم يقبل العدم، وهو قد قبل العدم فليس موجودا بنفسه لكان واجبا بنفسه، يقرر ذلك أن ما كان موجودا فإما أن يكون مفتقرا في وجوده إلى غيره، وإما أن لا يكون، فإن كان مفتقرا في وجوده إلى غيره لم يكن وجوده بنفسه بل بذلك الغير الذي هو مفتقر إليه أو به وبذلك الغير، فعلى التقديرين لا يكون وجوده بنفسه، وإن لم يكن مفتقرا في وجوده إلى غيره كان موجودا بنفسه فالموجود بنفسه لا يكون مفتقرا إلى غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون موجودا بنفسه، فالموجود بنفسه الذي لا يفتقر إلى غيره واجب بنفسه، إذ نفسه كافية في وجوده فلا يتوقف وجوده على شيء غير إنيته، إن قدر أن إنيته شيء غير وجوده، وإن قدر أن إنيته هي وجوده كما هو قول أهل السنة كان قول القائل: موجودا بنفسه أي هويته ثابتة بهويته فحيث قدرت هويته لم يمكن عدمها، فالموجود بنفسه لا يقبل العدم، وما قبل العدم فليس موجودا بنفسه فيفتقر إلى غيره فكل ممكن مفتقر إلى غيره.
وهذه المقامات ثابتة في نفس الأمر ويمكن تحريرها بوجوه من الطرق