للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعبارات والمعنى فيها واحد فتبين قول المصنف لاستحالة وجود الممكنات بأنفسها.

وأما قوله: واستحالة وجودها بممكن آخر ضرورة استغناء المعلول بعلته عن كل ما سواه وافتقار المعلول إلى علته، فمقصوده أن يبيّن أن الممكنات كما لا توجد بأنفسها فلا توجد بممكن آخر.

فيلزم أنه لا بد له من واجب بنفسه وذلك لأنها لو وجدت بممكن استغنت به عمّا سواه لأن ذلك الممكن إن لم يكن علة تامة لوجودها لم توجد به، وإن كان علة تامة لوجودها استغنت به عمّا سواه، فإن العلة التامة تستلزم وجود المعلول فلا يفتقر المعلول إلى غيرها فلو وجدت الممكنات بممكن لزم أن يستغني به عمّا سواه، وذلك الممكن من جملة الممكنات والممكن مفتقر إلى غيره فيلزم أن يكون مفتقرا إلى علة غير نفسه، والمفتقر إلى غيره لا يكون مستغنيا بنفسه فيلزم أن يكون مفتقرا إلى غيره غير مفتقر إلى غيره، غنيّا بنفسه ليس بغني بنفسه، وهو جمع بين النقيضين، فلو كان فاعل الممكنات كلها ممكنا لزم أن يكون هذا الممكن غنيّا بنفسه ليس بغني بنفسه، فقيرا إلى غيره، غير فقير إلى غيره، حيث جعل ممكنا مفتقرا، وجعل معلولا بعلة تامة فلا يفتقر فيلزم التناقض، والأمر في هذا أوضح من هذا التطويل.

وإنما سلك هذا المصنف طريقة أبي عبد الله بن الخطيب الرازي فإن هذه طرقه وكان ينسج على منواله، وإلا فالعلم بأن جميع الممكنات تفتقر إلى غيرها كالعلم بأن هذا الممكن مفتقر إلى غيره، فإن الافتقار إذا كان من جهة كونه ممكنا سواء كان الإمكان دليل الافتقار أو علة الافتقار فهو يعمها كلها فأي شيء قدر ممكنا كان الفقر ثابتا فيه إلى غيره فلا بد لكل ممكن من مفتقر إليه كما لا بد لهذا الممكن من غير يفتقر به، ومعلوم إن افتقار الشيء إلى بعض أشد من افتقاره إلى نفسه فإذا كان الممكن لا يوجد بنفسه ولا يكون موجودا بنفسه فكيف يكون موجودا ببعضه وكيف يتصور أن يكون مجموع الممكنات موجودة بممكن من الممكنات وهي لا يكفي في وجودها مجموع الممكنات والهيئة الاجتماعية لا تخرجها عن الإمكان الذي هو علة الافتقار أو دليل الافتقار، وهذا بيّن ولله الحمد.

<<  <   >  >>