للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجعلون العقل الأول هو رب كل ما سوى الله، والشفاعة عندهم ليست سؤالا من الله تعالى من الشافع، بل توجه إلى الشافع حتى يفيض منه على المستشفع ما ليس لله ولا للشافع به علم عندهم ولا يحصل بقدرته ولا مشيئته.

والمقصود هنا التنبيه على أن طرق السلف والأئمة الموافقة للطرق التي دل القرآن عليها وأرشد إليها هي أكمل الطرق وأصحها وأكثر الناس صوابا في العقليات أقربهم إليهم كما أن أكثرهم صوابا في السمعيات أقربهم إليهم إذ العقل الصريح لا يخالف السمع الصحيح بل يصدقه ويوافقه كما قال تعالى: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ «١» وقال تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) «٢».

ولهذا كان المتكلمة الصفاتية كابن كلاب والأشعري وابن كرام خيرا وأصح طريقا في العقليات والسمعيات من المعتزلة، والمعتزلة خيرا وأصح طريقا في العقليات ولا السمعيات من المتفلسفة وإن كان في قول كل من هؤلاء ما ينكر عليه وما خالف فيه العقل والسمع، ولكن من كان أكثر صوابا وأقوم قيلا كان أحق بأن يقدم على من هو دونه تنزيلا وتفضيلا.

قالت عائشة رضي الله عنها: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم» «٣» وهذا من القسط الذي أمر الله به وأنزل به كتبه وبعث به رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ «٤» وقال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ «٥».

والمقصود هنا: التنبيه على طرق الناس في إثبات كون الله تعالى متكلما تنبيها مختصرا بحسب ما يحتمله جواب هذا السؤال، والطرق نوعان: سمعية


(١) سورة سبأ، الآية: ٦.
(٢) سورة الفرقان، الآية: ٣٣.
(٣) أخرجه أبو داود في سننه برقم (٤٨٤٢) عن ميمون عن عائشة رضي الله عنها أن سائلا مرّ بها فأعطته كسرة، ومرّ بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل، فقيل لها في ذلك، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلوا الناس منازلهم».
وقال أبو داود بعد إخراجه للحديث: ميمون لم يدرك عائشة.
والحديث ضعفه العلامة الألباني في ضعيف سنن أبي داود برقم (١٠٣٢) وفي الضعيفة برقم (١٨٩٤).
(٤) سورة النساء، الآية: ١٣٥.
(٥) سورة الحديد، الآية: ٢٥.

<<  <   >  >>