وعقلية، وإن كانت العقلية هي أيضا شرعية سمعية باعتبار أن السمع دل عليها وأرشد إليها وأن الشرع أحبها ودعا إليها لكن صاحب هذا المختصر إنما سلك طريقا سمعية اتباعا لمتبوعه أبي عبد الله بن الخطيب وهذه الطرق مبنية على مقدمتين.
إحداهما: أنه آمر ناه ومن كان كذلك فهو متكلم، والمقدمة الأولى مدلول عليها بأن الرسل بلّغوا أمره ونهيه وكل من المقدمتين واضحة فإن الكلام نوعان:
إنشاء وإخبار والإنشاء أمر ونهي وإباحة فإذا ثبت له نوع من أنواع الكلام ثبت مطلق الكلام فثبت أنه متكلم.
وأما الثانية: فقد علم بالاضطرار من دين جميع الرسل أنهم يخبرون عن الله بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا فيلزم من ثبوت الرسالة ثبوت كلام الله تعالى وجحد كون الله متكلما هو جحد لما بلغت عنه الرسل من الأمر والنهي، فإن قيل: فما الفرق بين هذه الطرق وبين الطرق التي أثبت بها السمع والبصر وهو السمع، قيل:
هناك أثبت السمع والبصر بنفس الإخبار المنفصل مثل قوله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «١» وهنا أثبت تكلمه بمجرد إرسال الرسل من غير تعيين نص حيث قال:
علمنا أن الله تعالى أرسل رسله بتبليغ أمره ونهيه ولم يتعرض لإخبار السمع بأنه متكلم.
فإن قيل إذا أثبت المثبت تكلمه بالسمع وجب أن يكون السمع قد علمت صحته قبل العلم بكونه متكلما لكن الرسول إذا قال إن الله أرسلني إليكم يأمركم بتوحيده وينهاكم عن الإشراك به مثلا فإن لم يعلموا قبل ذلك جواز كونه متكلما لم يعلموا إمكان إرساله فلا يثبت السمع.
قيل: الجواب من وجهين: أحدهما أن ما علم بالسمع وقوعه يكفي فيه الإمكان الذهني وهو كونه غير معلوم الامتناع بل كل مخبر أخبرنا بخبر ولم نعلم كذبه جوزنا صدقه، ومتى كان فيه الصدق ممكنا لم يجز التكذيب بل أمكن أن يقام الدليل الدال على صدقه ووجوب تصديقه فيجب تصديقه، وهذا الموضع يغلط فيه كثير من النظار فيظنون أنه يحتاج فيما يطلب الدليل على وقوعه أو فيما قام الدليل على وجوده العلم بإمكانه قبل ذلك وإنما يجب أن لا يعلم امتناعه فالرسل صلوات الله عليهم تخبر بمجارات العقول، وما لا تعرفه العقول أو ما تعجز عن معرفته فما علم العقل إمكانه ولم يعلم هل يكون أم لا يكون تخبر الرسل بوقوعه