للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أم عدم وقوعه وما لم يعلم العقل إمكانه تخبر الرسل أيضا إمّا بإمكانه وإمّا بوقوعه المستلزم إمكانه، ولكن لا تخبر الرسل بوجوده ولا إمكانه وما علم عدمه لا تخبر بوجوده فلا تأتي الرسل صلوات الله عليهم بما يعلم نقيضه ولكن قد تأتي بما لم يكن يعلم كما قال تعالى: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢) «١».

وكذلك الوحي النازل على الأنبياء يعلمهم ما لم يكونوا يعلمون لا يأتيهم بما يعلمون خلافه، قال تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣) «٢».

الوجه الثاني: أن يقال: إمكان التكلم معلوم بأدنى نظر العقل فإنه إذا عرف أنه حي عليم قدير علم أنه يمكن أن يكون متكلما، فإن الكلام من الصفات المشروطة بالحياة، والصفات المشروطة بالحياة إنما تمتنع عليه سبحانه ما يمتنع منها، كالنوم والأكل والشرب لتضمنها نقصا ينزه عنه، وليس في الكلام نقص، بل سنبيّن إن شاء الله أنه من صفات الكمال، ونبيّن ما يستحيل اتصافه به، فهذا تقرير ما ذكره ويمكن أن يسلك في ذلك طريقا أعم ممّا ذكره، فإنه استدل بالأمر والنهي، خاصة والتحقيق أن الخبر يدل أيضا على أنه متكلم، كما أن الأمر يدل على ذلك، والرسل يبلغون عنه تارة الأمر والنهي، وتارة الخبر. إما عن نفسه وإما عن مخلوقاته فيبلغون خبره عن نفسه بأسمائه وصفاته، وخبره عن مخلوقاته بالقصص، كما يبلغون الخبر عن ملائكته وأنبيائه، ومن تقدم من الأمم المؤمنين والمكذبين ويبلغون خبره عما يكون في القيامة من الثواب والعقاب، والوعد والوعيد بل ما تبلغه الرسل من خبره أكثر ممّا تبلغه من أمره، والخبر في القرآن أكثر من الأمر، وإذا قيل: لا معنى لكونه متكلما إلا أنه مخبر منبئ، والتحقيق أن يقال: لزم من كونه آمرا ناهيا أن يكون متكلما، ويلزم من كونه مخبرا منبئا أن يكون متكلما.

وأما قول القائل: لا معنى لكونه متكلما إلا أنه آمر ناه. وأنه مخبر ففيه نظر فإن المتكلم يكون تارة آمرا وتارة مخبرا، وهو في حالة كونه مخبرا متكلم وإن لم


(١) سورة البقرة، الآيتان: ١٥١ - ١٥٢.
(٢) سورة النساء، الآية: ١١٣.

<<  <   >  >>