يكن آمرا، وفي حال كونه آمرا متكلم وإن لم يكن مخبرا سواء قدر إمكان انفكاك أحدهما عن الآخر أو قدر تلازمهما في حق بعض المتكلمين.
ولقائل أن يقول: هذا الذي ذكره قليل الفائدة فإنه إن كان المقصود به إثبات كونه متكلما على من يقر بالرسل فجميع هؤلاء يقرون بأنه متكلم إذ لا يمكن أحدا ممن يؤمن بالتوراة أو الإنجيل أو القرآن أن ينكر أن الله تكلم، وهذه الكتب مملوءة بذكر ذلك وأهل الملل مطبقون على ذلك وإن كان مقصوده إثبات ذلك على من لا يقر بالرسل، فتقرير المسألة تقرير لهذا، فحاصله أن ما ذكره من كونه متكلما هو حقيقة أن الرسل صادقون فيما أخبروا عنه فإذا أثبت ذلك بصدق الرسل كان إثباتا للشيء بنفسه.
وإنما المقصود إثبات أنه متكلم حقيقة بكلام يقوم بنفسه خلافا للمتفلسفة التي تحمل كلامه إنما هو تعريف فعلي وهو ما يفيض النفوس من التعريفات وللجهمية من المعتزلة وغيرهم الذين يجعلون كلامه ما يخلقه في غيره من الحروف والأصوات، وهذا الذي اعتنى به السلف في الرد على من يقول القرآن مخلوق خلقه الله في الهواء، لم يقم به كلام فكيف بمن يقول ليس كلامه إلا ما يحدث في النفوس من التعريف والإعلام من غير أن يكون له كلام منفصل عن نفوس الأنبياء والمرسلين، وقد بسطنا القول في مسألة الكلام واضطراب الناس فيها في غير هذا الموضع.
ولا ريب أنه سلك في هذا الاعتقاد مسلك الصفاتية المخالفين للمعتزلة، ولهذا عد الصفات السبع. وأما المعتزلة فيقتصرون على أنه حي عالم قادر. وقد يزيد البصريون الإدراك كالسمع والبصر.
وأما كونه متكلما ومريدا فهذا عندهم من باب المفعولات لا من باب الصفات، إذ معنى كونه متكلما عندهم أنه خلق كلاما في غيره كسائر ما يخلقه من المخلوقات بخلاف كونه حيّا عالما قادرا أو مدركا عند البصريين، فإن ذلك ثبت له لذاته سواء خلق شيئا أو لم يخلقه، ولهذا كان عام التعلق لا يختص بمعلوم دون معلوم كما تختص الإرادة والكلام بمراد دون مراد ومأمور دون مأمور.
وهذا القدر الذي أثبته من كونه متكلما آمرا ناهيا لا ينازعه فيه معتزلي بل ولا متفلسف إلهي يقر بالنبوات في الجملة كما يقر بها المتفلسفة الذين حقيقة أمرهم أنهم يؤمنون ببعض الصفات ويكفرون ببعض، كما أن اليهود والنصارى يؤمنون ببعض الرسل ويكفرون ببعض.
ولقائل أن يقول إن هذا السؤال ليس لازما له في مسألة الكلام بل وفي سائر