للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذلك الإنسان ويَكْبُر إعجابه به، ثم يلين قلبه ويتحول عما في نفسه إلى مودة له، ومن ثم ينظر إلى الإساءة بالبشاعة والقبح؛ ولهذا قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ١، وإذا تذكرنا هنا موقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع المسيئين إليه أدركنا تماما أثر العفو في جمع الناس وتأليفهم في الحياة العملية وتقديرهم للإنسان الذي يعفو ويصفح عن الناس، ونحن نعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- طرد وشرد وأبعد عن أهله في مكة، وغادر مكة بعد مؤامرة دبرت لقتله لا لأنه أساء إلى الناس أو قتلهم وإنما؛ لأنه كان يدعو إلى الفضيلة وإلى طريق الحق، ولما عاد إلى مكة يوم الفتح قاهرا ظافرا بجيشه الجرار قال: "يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ " قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ٢، وبمثل هذه المواقف الكريمة جمع الرسول الناس حوله وألف بين الناس، ولو كان فظا غليظا لما استطاع إلى ذلك سبيلا، وصدق الله العظيم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ٣، {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} ٤.

ومن المبادئ الأخلاقية شديدة الصلة بالحياة الصبر، فالصبر طاقة تزيد الإنسان قوة وصلابة يستطيع بها مواجهة الصعاب وشدائد الحياة، والصبر أنواع: منها الصبر على المصائب والصبر على أداء الواجبات والصبر على الشهوات والأهواء، ويطول بنا المقام لو تكلمنا على كل واحد بالتفصيل، ولهذا فالأنسب أن نختار النوع الأول باعتباره أهم نوع يتصل بموضوعنا، ومن أهم عنصر في


١ فصلت: ٣٤.
٢ سيرة النبي لابن هشام جـ٤ ص ٨٧٠.
٣ القلم: ٤.
٤ آل عمران: ١٥٩.

<<  <   >  >>