ثانيا: مكانة الأخلاق وأهميتها في إطار التفكير العلمي
بعد ذلك ننتقل إلى شرح نقطة أخرى وعدنا ببيانها في مقدمة هذا القسم وهي: ضرورة الأخلاق لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها وتقدم الحضارة، وقد قلنا: إن ضرورة دراسة الأخلاق لا ترجع إلى أنها علم كبقية العلوم بقدر ما ترجع إلى أنها من ألزم العلوم للحياة الإنسانية، فهي تميز بين سلوكين أحدهما يحقق الخير، ويقود ثانيهما إلى الشر، ثم تبين كيف يمكن أن يسلك الإنسان طريق الخير وأن يتجنب طريق الشر، إذ قد يعلم المرء الخير ولكنه لا يدري كيف ينتهي إليه، ويعرف الشر في سلوك ما ويعجز عن تجنبه.
ومن ثم ندرك أن للأخلاق وظيفتين هامتين: أولاهما المعرفة والثانية التربية، ولا شك أن الإنسان بقدر ما يحتاج إلى المعرفة يحتاج بالقدر نفسه إلى التربية، وتشترك المعرفة والتربية في أنهما لا تتمان دون جهد أو معاناة، وتستغرقان فترة من الزمن قد تطول أو تقصر، كذلك ترمي المعرفة والتربية إلى غاية واحدة وهي: كمال الإنسان الذي لا يتحقق إلا بالجمع بين هذين الأمرين.
والأخلاق تحقق للإنسان تقدمين: أحدهما حضاري والآخر تقدم اجتماعي، وكلا التقدمين لا يمكن أن يتم إلا باتباع الطريقتين السابقتين: طريق المعرفة وطريق التربية، فالمعرفة تبني الحضارة وتقدم للإنسان اكتشافات علمية وذهنية، والتربية تساعده على توحيد ذاته وبناء شخصية قوية تيسران له تحقيق الخيرات للإنسانية، ولا يبالي المرء في سبيل ذلك ما يعانيه من جهد، وما يصادفه في طريقه من العوامل المعوقة، سواء كان مصدر هذه العوامل راجعا إلى الظروف الداخلية أو الظروف الخارجية.