للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: مجال المسئولية وأقسامها وأبعادها

أما مجال المسئولية فالحياة كلها مجال المسئولية, والمسئولية عموماً تنقسم إلى قسمين: مسئولية فردية وأخرى غيرية أو اجتماعية.

أما المسئولية الأولى فلها مجالان: المجال الداخلي والمجال الخارجي الظاهري. فالأول مسئولية الإرادة والقصد والتصميم، فليس من الضروري العمل المادي الظاهر ليكون الإنسان مسئولاً، بل إن العزم على فعل شيء كافٍ لتحمل مسئوليته إن خيراً فخير وإن شراً فشر {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} ١, ولهذا فمن عزم على فعل شيء ثم لم يستطع تنفيذه لمانع خارجي أو لجهله بطريق التنفيذ يكون كأنه قد نفذه بالفعل٢، وكذلك إذا ترك فعلا بالإرادة، فإذا ترك مثلا ارتكاب الحرام لدافع أو لعزم خوفاً من الله وإطاعة أمره يكتب له حسنة وبعد ذلك له عملاً خيراً؛ لأن الترك فعل أيضاً؛ فالفعل إما يكون إيجاباً وإما سلباً. مصداق ذلك قول الرسول راوياً عن ربه: "إن الله عز وجل كتب الحسنات والسيئات, ثم بين ذلك فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة فإن همَّ بها وعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة فإن هو همَّ بها وعملها كتبها الله سيئة واحدة" ٣


١ البقرة: ٢٨٤.
٢ يرى ابن عربي هنا بوجه عام أن من ترك سيئة يكتب له حسنة بصرف النظر عن سبب الترك مع أن النصوص توحي بأنه إذا تخلى عنها لا لعجز ولا لوجه الله لا تكتب وإذا تركها لله تكتب حسنة أما إذا تركها لعدم استطاعته للتنفيذ تكتب سيئة، وهذا موضوع الآية السابقة. انظر ابن عربي وليبنتز ص ٩٨ للدكتور محمود قاسم.
٣ فتح الباري بشرح البخاري جـ ١٤ همَّ بحسنة أو سيئة ص ١٠٦.

<<  <   >  >>