للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الصفات الطبيعية فيه قبل هذه الأمانة الثقيلة بشجاعة, وإن كانت هذه الشجاعة ناتجة عن ضعف الشعور بالخوف من عواقب الخيانة وعن جهله بها؛ لأن الجاهل أشجع من العالم كما يقولون, وقد قدر الله للإنسان هذه الشجاعة وجعله خليفته في الأرض لتنفيذ هذه الأمانة في نفسه وفي غيره {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} ١, {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} ٢.

ولما أعلن الله هذا النبأ للملائكة تعجبوا كيف يجعل الله هذا المخلوق الذي سيخون الأمانة ويملأ الأرض فساداً وظلماً خليفة له، ولم يخلف الملائكة وهي أعلم من الإنسان وأكثر تقديساً وتعبداً ولا يفسقون ولا يظلمون {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} ٣, ولكن الله كان يعلم أن من الناس من يصبح أفضل من الملائكة بالعلم والعبادة، وأن الإنسان بالرغم من الشهوات الجامحة التي ركبت فيه فإن له قدرة على معرفة الله، وعبادته كالملائكة، وأن من الناس من يصبح كالشيطان المارد يفسد ويفسق ويملأ الأرض ظلماً وعدواناً؛ وذلك كله ليجزي أولئك ويعاقب هؤلاء؛ ولهذا قال تعالى عقب تحمل الإنسان للأمانة: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} ٤.

وبعد تحديد معنى المسئولية وأساسها وشروط الكائن المسئول ننتقل إلى تحديد مجالها وأبعادها.


١ ص: ٢٦.
٢ يونس: ١٤.
٣ البقرة: ٣٠.
٤ الأحزاب: ٧٣.

<<  <   >  >>