عرفنا فيما سبق عناصر الإلزام وقسمناها إلى قسمين: الأول يرجع إلى العناصر الخارجية مثل الوحي والمجتمع وقوانين الطبيعة، والثاني يرجع إلى العناصر الداخلية ويشمل العقل والضمير الخلقي، هذه العناصر مجتمعة تشكل أقوى سلطة إلزامية في الأخلاق الإسلامية.. هذا إلى أن الإسلام قد ضاعف هذه القوة بما وعد به من الجزاء الجزيل للتمسك بالقيم الأخلاقية والعقاب الشديد للمنحرف والمستهتر, ثم إنه وجَّه الإنسان بصورة مستمرة نحو التسامي بإثارة الدوافع والاستعدادات المغروسة في الطبيعة البشرية لتتغلب العناصر الإنسانية الطيبة على الغرائز الحيوانية الجامحة.
وبذلك يكون الإسلام قد اعتمد في إلزامه الأخلاقي على جميع العناصر التي يمكن أن تكون عامل إلزام بصورة من الصور بخلاف المذاهب الأخلاقية الأخرى، فإن كل مذهب منها اعتمد على عنصر أو عنصرين فقط مثل النفع والشرف وما إلى ذلك.
ثم إن الاعتماد على عدة عناصر في الإلزام والالتزام يتناسب مع سيكولوجية الفروق الفردية في الطبيعة البشرية؛ لأن الناس عادة يختلفون في الالتزام بعناصر الإلزام المختلفة, فمنهم من يلتزم بالعنصر الديني أكثر من العنصر الاجتماعي والآخر بالعكس، والثالث بالعنصر العقلي، والرابع بالحاسة الخلقية، وهكذا.. وذلك كله نتيجة للعوامل الوراثية والاجتماعية والتربوية.