عندما نعيد النظر إلى ما كتبناه في الباب الأول نجد أن التطبيقات العملية للقيم الأخلاقية تؤدي إلى كثير من المنافع أو القيم المادية, ولا أريد هنا إعادة ما كتبت في هذا المجال، ولكن أريد أن أستخلص مما كتبت قيمتين مهمتين لكل مجتمع في الحياة العملية: وهما القيمة الاقتصادية والقيمة الصحية.
أما القيمة الاقتصادية فيغفلها الاقتصاديون ويخطئون عندما لا ينظرون إلى الأخلاق من هذه الزاوية ولا يهتمون بها, ذلك أن الأخلاق تدعو إلى عدم الإسراف والتبذير, وإلى الجد في العمل وإتقانه, وإلى العمل من أجل الناس سواء أكان ذلك بالمساعدات المختلفة أم باختراع العلوم والآلات الصناعية التي تؤدي إلى نفع الناس عامة, وقضاء حوائجهم أو حل مشكلاتهم, ومن جهة أخرى نراها تدعو إلى عدم الغش والاختلاس, مما يضر اقتصاديات الأفراد والمجتمع عموما.
وباختصار القول تظهر قيمة الأخلاق الاقتصادية في ناحيتين: في ناحية الإنتاج إذ الأخلاق تدعو إلي المثابرة وإلى مزيد من الإنتاج, وإلى اختراع ما يفيد المجتمع ويحل مشكلته, وفي ناحية الإنفاق, إذ إنها تدعو إلى عدم الإسراف وعدم الإنفاق إلا فيما يجب الإنفاق فيه. ولا ينمو الاقتصاد إلا بهاتين الطريقتين: كثرة الإنتاج والاقتصاد في المصروفات. ثم إن الإنسان المتخلق يجد ما يسد حاجته عند الملمات؛ لأن الناس يقدرونه ويردون إليه عند ذلك مثل إحسانه إليهم أو يعطونه دينا لثقتهم به, وهناك قيمة اجتماعية ينالها الإنسان المتخلق.
أما القيمة الصحية فإننا عرفنا أيضا أنها تدعو إلى الابتعاد عن جميع الأمور والأفعال التي تضر الصحة مثل المخدرات والقذارة والفاحشة وكثرة الأكل