للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن فما نقوله هنا ليس مجرد دعوى لتبرير المسئولية الأخلاقية التي تحملها الإنسان بإلزام والتزام وعن جدارة {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} ١، وهذه الآية توجهنا إلى فهم طبيعة التفكير الأخلاقي في الإسلام وطبيعة موقف الإنسان من الأخلاق، لذا يجدر بنا أن نقف عندها وقفة قصيرة لإبراز أهم ما تحمل من المفاهيم الهامة, فمن هذه المفاهيم: مفهوم الأمانة الذي حددته الآية السابقة لها وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً, يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} ٢، فالأمانة إذن هي الصدق في الكلام، والعمل الصالح الخير وأن يتم هذا وذاك بروح الطاعة والتقوى لله.

إذن المراد من الأمانة باختصار الأخلاق؛ لأن الأخلاق ليست أكثر -في مجملها- من الصدق في الأقوال كلها والعمل الصالح في السلوك كله. وأن يكون كل ذلك بروح الطاعة لله وعلى أنه مكلف بها من قبله تعالى, والمراد من السموات والأرض والجبال هو أهلها، مثل: "واسأل القرية" والمراد من الحمل قبول القيام بهذه التكاليف وعدم الخروج عليها ثم تحمل مسئولياتها في الحالتين معا, وسبب إشفاق أهل السموات والأرض هو المسئوليات الكبيرة التي تترتب على قبول هذه الأمانة والعذاب الشديد الذي يعاقب به من يخونها ولا يؤديها، أما الإنسان لعدم خوفه من تجرع الظلم {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} ٣، ولقلة علمه بكل ما يترتب على مخالفته للأمانة {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} ٤، وعدم خوفه من تعدي حدود معرفته وارتياده ميادين الجهل لكل


١ الأحزاب: ٧٢.
٢ الأحزاب: ٧٠-٧١.
٣ إبراهيم: ٣٤.
٤ الإسراء: ٨٥.

<<  <   >  >>