وهذه الشروط مجتمعة تعد أساس المسئولية ولا يمكن الاستغناء عن أي واحد منها؛ ذلك أن المسئول إذا لم يكن واعياً بذاته ومقاصده من أفعاله وما سينجم عنها فلا معنى لجعله مسئولا عن تصرفاته؛ ولهذا لم يجعل الإسلام الحيوانات مسئولة، ولم يجعل كذلك الأطفال الصغار مسئولين عن تصرفاتهم، كذلك متى لم يكن المرء حراً في إرادته واختياره وتصرفاته فلا معنى عندئذ لجعله مسئولا عن أعماله.
ومن الظلم تكليف إنسان بأعمال لا يستطيع تحمل أعبائها والقيام بها، وإذا كانت هذه الشروط كلها ضرورية فهي ضرورية أيضاً من حيث اتصال بعضها ببعض، فإنه لا يعقل أن يحاسب كائن عن عمل لا يستطيع اختيار غيره أو يستطيع الاختيار ولكنه لا يستطيع تنفيذ ما يختاره أو كان لا يعرف طبيعة الأعمال المختارة أهي خير أم شر وأنه مطالب بالخير ومنهي عن الشر.
لكن هل تتوافر هذه الشروط في الكائنات الأرضية جميعاً؟ إنها لا تتوافر إلا في الإنسان، وإذا كان بعض الباحثين يدعي وجود هذه الشروط إلى حد ما لدى بعض الحيوانات الراقية مثل الشمبانزي مثلاً، إلا أنه مهما ادعى هؤلاء وجود التشابه بينه وبين الإنسان في بعض الظواهر السلوكية، فإن هناك مسافة واسعة بينهما لا يمكن أن يملؤها ببعض درجات السلوك المتشابهة، كذلك لا يستطيعون أن يقربوا بينهما عن طريق نظرية التطور أو تفسير سلوك الأعقد بالأبسط أو المخلوق المعقد بالمخلوق الساذج, وأظن أننا لا نحتاج الآن إلى الاستدلال على توافر تلك الشروط في الكائن الإنساني بعد أن بينا في الموضوعات السابقة وجود الوعي والعقل وحرية الإرادة والاختيار، والاستطاعة لتنفيذ الاختيارات فيه.