للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضاً راوياً عن ربه: "إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة, وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة" ١ فإن قوله وإن تركها من أجلي دليل لما نقول.

ولكن لا يجب أن نفهم من هذا الذي أراد السيئة وأصر عليها ولم يستطع تنفيذها لمانع ما أنه يعفى من المسئولية، فهناك فرق بين نية لم تحصل محاولة لتنفيذها، ونية حصلت محاولة ولم تنجح ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى مسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" ٢, وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ} ٣، والإثم الباطن هو النية على فعل الجريمة.

ولا يدخل في نطاق هذه المسئولية ما يقع في قلب الإنسان من خطرات الخير ووساوس الشر، أو بتعبير آخر حديث النفس؛ ولهذا قال الرسول عندما أسرع الصحابة بعد سماع الآية السابقة إليه وقالوا: أنكون مسئولين حتى عن وسوسة النفس: "إن الله تجاوز عن أمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم" ٤, ونزل قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ٥؛ لأن الإنسان لا يستطيع دفع هذه الوساوس ولا تدخل في نطاق الإرادة.


١ فتح الباري بشرح البخاري جـ ١٧، كتاب التوحيد ص ٢٤٦.
٢ فتح الباري جـ ١٤ كتاب الرقاق، باب من همَّ بحسنة أو بسيئة ص ١١٠.
٣ الأعراف: ٣٣.
٤ فتح الباري جـ ١٤، باب إذا حنث ناسياً في الأيمان ص ٣٥٧.
٥ البقرة ٢٨٦.

<<  <   >  >>