للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونرى هنا أن الإسلام يختلف في نظرته إلى المسئولية عن كثير من المذاهب الأخلاقية وعن نظرة القوانين الوضعية ذلك أن نظرة هذه المذاهب والقوانين لا تجعل مجال الإرادة الداخلية ما لم تنفذ في العمل الخارجي مجال المسئولية إطلاقاً.

كما تختلف عن نظرة بعض الأديان السابقة على الإسلام التي كانت تعتبر الإنسان مسئولا عما تتحدث به نفسه كما يفهم ذلك من آخر الآية السابقة {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ١.

أما المجال الظاهري للمسئولية فهو السلوك المادي المحسوس سواء أكان كاملاً أو فعلا بشرط أن يكون ناتجاً عن قصد واختيار {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} ٢, وفي آية أخرى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ٣، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ٤.. وبناء على ذلك فلا يكون الإنسان مسئولا عن سلوكه الناتج عن إكراه واضطرار، {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ٥, {فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} ٦، وكذلك السلوك الناتج عن الخطأ والنسيان {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} ٧، ويدخل في هذا المجال أيضاً سلوك النائم والمجنون والصبي فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبي حتى يكبر" ٨. وفي رواية أخرى: "وعن الصبي حتى يحتلم"، وفي رواية ثالثة: "حتى يشب" ٩.


١ البقرة: ٢٨٦.
٢ المائدة: ٨٩.
٣ البقرة: ٢٢٥.
٤ فتح الباري بشرح البخاري جـ ١، بدء الوحي ص ١٣.
٥ النور: ٣٣.
٦ البقرة: ١٧٣.
٧ البقرة: ٢٨٦.
٨ سنن أبي داود، كتاب الحدود جـ ٤ ص ١٩٧.
٩ المستدرك على الصحيحين جـ ٤ ص ٤٨٩ كتاب الحدود.

<<  <   >  >>