للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومهما يكن من وجود انفصال ظاهري بين التقدمين إلا أنهما في الحقيقة متصلان أشد الاتصال، ذلك أن هناك جانبين للتقدم الاجتماعي: أحدهما معنوى وهو يتمثل في أساليب التعامل الاجتماعي مثل العدالة والمساواة والتعاون والأمانة والإخلاص والصدق والعفة والاحترام للحقوق المادية والأدبية، والنزاهة والإخاء والمحبة والمودة، وما إلى ذلك.

وأما الجانب الآخر فهو مادي وهو يتمثل في الابتكارات العلمية والإنتاجات الصناعية، والتقدم المعماري والفني، وكل ذلك يحقق الخير للإنسان، ويعد عملا خيِّرا طالما كان يهدف إلى هذا الخير الإنساني فهو أخلاق؛ لأن الأخلاق تدعو إلى الخير وتكشف للإنسان طريق الخير ووسائله.

وليس هناك علم آخر يمكن أن يحقق هذا، ذلك أن قوانين العلوم الأخرى -كما أشرنا إليها- عبارة عن صيغ تقريرية، بينما نرى القوانين الأخلاقية بالإضافة إلى هذه الصفة تتسم بأنها قوانين تأمر وتوجه، وتحمل في نفسها قداسة وسلطة في نفوس الناس، وبذلك تدفعهم إلى السير نحو اتجاه معين في الحياة هو اتجاه التقدم في بناء الأفراد وبناء المجتمع، ثم بناء الحضارة على أسس أخلاقية وعلمية صحيحة.

وهذه الأمور التي تحققها الأخلاق هي وسيلة إلى تحقيق السعادة في مختلف مستوياتها؛ لأن السعادة تعد نتيجة للتكامل، ونعني به التكامل في بناء الذات عن طريق إقامة الوحدة والاتساق بين الميول المختلفة وتوجيهها وجهة صحيحة في الحياة، ولا بد من وجود الوحدة كذلك في ذات المجتمع وهي ضرورة لازمة في بناء الفرد وفي بناء المجتمع، إذ لا يمكن أن يعيش الإنسان متكاملا

<<  <   >  >>