وأما الاتجاه الثالث فينتهج منهجا متوسطا بين المنهجين السابقين في دراسة هذه الطبيعة وتفسيرها؛ لأنه يرى من ناحية استمرار الإنسان مع بقية الطبيعة ومن ناحية أخرى يرى عدم إمكان تفسير مميزات الإنسان في كليتها على أساس مبادئ فسيولوجية أو طبيعية بالرغم من وجود بعض تلك المميزات أو الخصائص في الحيوانات الدنيا بدرجات بسيطة أو أقل مما هو في الإنسان؛ ولذلك لا ينبغي أن نغفل دراسة الطبيعة المادية في الإنسان على غرار الدراسات الطبيعية, وذلك إلى جانب دراسة الجانب المعنوي دراسة خاصة١.
وهكذا نجد مدى أثر الاتجاهات الفلسفية في طبيعة تصور الطبيعة الإنسانية, واتخاذ مناهج لدراستها وتفسيرها.
وبالرغم من تزايد الاهتمام بدراسة الطبيعة الإنسانية للكشف عن حقيقتها بالطرق والأساليب الحديثة منذ أن تقدمت وسائل البحث وتنوعت المناهج فإن هناك جوانب عديدة من الطبيعة الإنسانية لا تزال غامضة وغير مكشوفة, ولقد قرر هذا الدكتور "ألكسيس كارل" في كتابه "الإنسان هذا المجهول" فقال: "حقا إن الإنسانية قد بذلت جهودا جبارة كي تعرف نفسها، ومع أننا نملك كنوز الملاحظات التي جمعها العلماء والفلاسفة والشعراء والمتصوفة فنحن لا ندرك غير جوانب من هذا الإنسان, وأجزاء منه, بل إن هذه الأجزاء ليست سوى نتاج طرائقنا في البحث, ليس كل منا غير مَوْكِب من الأشباح تسير وسطها الحقيقة التي لا يمكن معرفتها, الواقع إن جهلنا مطبق.. فأكثر الأسئلة التي يطرحها من