للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول -صلى الله عليه وسلم: "استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك" ١.

الأمر الثالث: إن مراعاة الإسلام لهذه الأمور تدل على مرونة التشريع الإسلامي وتضفي عليه صفة صلاحيته لكل الناس في مختلف الظروف والحالات وفي مختلف الأزمنة والأمكنة؛ لأن هذه القوة القاهرة التي تكره الناس أو بعضهم على الخروج على القوانين الأخلاقية، قد ترجع إلى اختلاف طبائع الناس أو إلى الطبيعة نفسها أو إلى تطور الحياة أو إلى الظروف الطارئة, فعن طريق قانون الاستثناء نستطيع أن نواجه تلك الظروف ونحل كثيراً من المشكلات الطارئة من حين إلى آخر، ولكن يجب ألا تبقى هذه التطبيقات العملية لقاعدة الاستثناء العامة قوانين جوهرية في صميم المبادئ الأخلاقية, ثم إن مراعاة الإسلام للحالات الاستثنائية تعتمد على مراعاته لوقائع الحياة الطارئة إذ إننا نجد حتى في التشريعات الوضعية مبدأ الأحوال العرفية، فللحاكم أن يتخذ تدابير وقوانين في تلك الأحوال على حسب الوقائع والحالات الطارئة طبقاً لمقتضى الأحوال، ولكن ما يتخذه من القرارات والتدابير لا يغير قانوناً طبيعياً أو قانوناً أساسياً ولا يعتمد عليه في الظروف الطبيعية ولا يندرج في ضمن القوانين الأساسية, إذن قانون الاستثناء في الإسلام مبني على أساس مراعاته للحالات الطارئة, كمبدأ الأحكام العرفية في القانون الدولي، هنا يقول الإمام الشاطبي: إن العزيمة مصلحة كلية عالمية والرخصة مصلحة شخصية جزئية وقتية، ولا ينخرم نظام في العالم بانخرام المصلحة الجزئية٢، ثم إن الرخصة ارتكاب أمر غير مشروع أو حرام ولا يكون ارتكاب حرام لضرورة عملاً أخلاقياً ولا يمكن أن يعد


١ كشف الخفاء جـ ١ ص ١٣٦ حديث ٣٤٥ مسند الإمام أحمد جـ ٤ ص ٢٢٨.
٢ الموافقات في أصول الأحكام للشاطبي جـ ١ ص ٢٢٠.

<<  <   >  >>