للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعالجة هذه النقطة الأخيرة سوف تضطرني إلى التعرض للمذاهب الكلامية إلا أنني -لما لم أكن مقلداً لمذهب معين منها- فسوف أقتصر على بيان رأيي، خوف الإطالة بذكر آراء هذه المذاهب ومناقشتها.

ولا يهمني بعد ذلك أن يوافق رأيي مذهباً ما أم يخالفه، وقد أتفق مع مذهب في نقطة وأختلف معه في أخرى دون قصد مبيت للمخالفة.

فمن حيث الإثابة فقد قطع الله على نفسه بإثابة المحسن على إحسانه قليلا كان إحسانه أم كثيراً، ووعد الله حق لا يتخلف {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} ١، {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} ٢، ولا يكتفي بإثابة المحسن بقدر إحسانه بل يضاعفه إلى ما شاء الله {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} ٣.

أما عقاب المسيء ففيه تفصيل؛ لأن هناك ذنوباً لا بد من أن يعاقب عليها صاحبها مثل: الكفر والإشراك بالله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} ٤، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ٥.

ولا يغفر الله كذلك إذا كانت الإساءة إلى العباد؛ لأن هذا حق الناس لا حق الله في الدرجة الأولى، ولا يغفر الله ما للناس على الناس ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-


١ الروم: ٦.
٢ الزمر: ٢٠.
٣ البقرة: ٢٦١.
٤ محمد: ٣٤.
٥ النساء: ٤٨.

<<  <   >  >>