العلمية والتربوية، يدرك هذه الحقيقة كل من يتأمل في الدراسات الأخلاقية وتظهر له هذه الحقيقة بصورة أوضح عندما يقارنها بالدراسات الأخرى، وعندما يرى كم نالت تلك الدراسات الأخرى من عناية الدارسين واهتمامهم، ولم يكن هذا الحق مهضومًا لدى الدارسين الإسلاميين فقط بل لدى غير الإسلاميين كذلك من الفلاسفة والمفكرين.
ولا أريد هنا أن أهضم حق المهتمين بالدراسات الأخلاقية بين المسلمين بل من الواجب أن نعترف أن هناك رجالًا من المفكرين الإسلاميين قد أبدوا كثيرًا من الاهتمام بالأخلاق أمثال: ابن مسكويه والغزالي والطبري ومحمد مهدي العراقي قديمًا، وجاد المولى بك والدكتور محمد عبد الله دراز والدكتور عبد الرحمن حبنكة حديثا، وبالرغم من ذلك فإن هذه الدراسات لم تعطِ للأخلاق حقها من الدراسة، أو أنها -بتعبير أصدق- لم تعطها حقها من الدراسة النظرية والتربوية والنظامية، ولعل أكبر محاولة جادة لإعطاء هذا الجانب النظري حقه هي المحاولة التي قام بها المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز، وما قام به حديثا الدكتور حسن حبنكة الميداني، أما الجانب التربوي والنظامي فلم يأخذا حقهما من الدراسة الجادة.
وكانت رؤيتي لهذا النقص ضمن العوامل التي دفعتني إلى إنجاز هذه الموسوعة بأجزائها الثلاثة، ولإبراز ذلك بصورة أكثر وضوحًا احتجت إلى عرض بعض الاتجاهات الأخرى الهامة؛ لأن ذكر المتناقضات يجعل ما نريد بيانه أكثر جلاء ويغني عن كثير من الكلام، ولهذا فإن التعرض للاتجاهات الأخرى لم يكن هدفي منه عملية المقارنة الأكاديمية بقدر ما كان وسيلة للإيضاح وبيان مكانة