للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن النفوس في نظر الإسلام متساوية من حيث الأصل وهي ملك الله فلا يحق لأحد أن يتصرف فيها، ولو في نفسه كما يشاء، بالإهمال، أو الإهدار ولهذا فالإنسان يلقى عقابا من الله على إهدار نفسه كما يعاقب على إهدار نفس غيره، لذا حرم الانتحار فقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} ١. وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا حز بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة" ٢.

هذا من ناحية الإضرار بالنفس بقصد أو بغير قصد، أو من زاوية النظر إلى العمل الفردي الشخصي غير الأخلاقي، ولننظر إلى العمل الشخصي النافع أو الأخلاقي ولنضرب لذلك مثلا بشخص آخر يعتني بصحته ويهدف من وراء ذلك إلى القيام بأعمال يعود نفعها على نفسه وعلى غيره، فالاعتناء بالصحة عمل شخصي ولكنه عمل بناء بصرف النظر عن غايته، وكما أنه مفيد نافع لذاته فهو مفيد لغيره أيضا؛ لأن الناس الآخرين ينتفعون من صحته وأعماله بطريق غير مباشر وإن لم يكن قد قصد ذلك، هذا إلى أنه متى قصد منه خدمة الناس اعتبر هذا العمل أخلاقيا من ناحيتين معا: من ناحية المظهر ومن ناحية المعنى؛ لأنه يهدف إلى دوام قيمة من ناحية، وإيصال قيم إلى الآخرين من ناحية أخرى ولهذا قد عد الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمل الإنسان الخير لنفسه عملا أخلاقيا فقال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا" ٣.


١ النساء: ٢٩.
٢ التاج، باب أظلم الناس من يظلم نفسه، جـ ٥ ص ٢٣.
٣ صحيح مسلم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي جـ ٢ ص ٦٩٢.

<<  <   >  >>