فمن الناحية الأولى بينا كيف أن الإسلام ربط بين القوانين الأخلاقية والقوانين الطبيعية العامة وقوانين الطبيعة البشرية الخاصة وأقام بناء الأخلاق على أساسها. كما أقام الإلزام الأخلاقي على ما فطر عليه الإنسان من وجدان أدبي وعلى مراقبة الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ويراه أينما كان في السر والعلن ويعلم ما يخفي وما يبدي، ثم لم يكتفِ بهذا وذاك بل ربط الأخلاق بمصلحة الإنسان حيث فرض الجزاء الجزيل مكافأة لمن يتخلق، كما توعد بالعقاب كل من ينحرف ويضل. ولا شك في أن هذه الأمور ثابتة ومن ثم لا بد من أن يكتب الثبات والدوام لهذه القوانين الأخلاقية.
ومن الناحية الثانية جعل الإسلام النظام الأخلاقي أساسا للتكيف بالحياة كيفما كانت في أي زمان في ضوء مبادئها، ذلك أنه اهتم أولا بروح الأخلاق أكثر مما اهتم بشكلها فمن ناحية الشكل لم يقيد كل حركات الإنسان وأفعاله فيما يتعلق بأمور الحياة التي تتطور بتطور الزمان، بل زود الإنسان بمبادئ عامة توجهه إلى تنظيم الحياة تنظيما يخضع لروح تلك المبادئ، ولما كانت هذه المبادئ تسير مع الواقع الإنساني في الحياة ولم يكن في تطبيقها إحراج بل تراعي استطاعة الإنسان وطبيعته، كانت الأخلاق الإسلامية من هذه الناحية قابلة للتطبيق في ظروف وأزمان مختلفة.
زد على هذا أن الإسلام زود الإنسان بمعايير أخلاقية يستطيع بها تقويم سلوكه وحركاته ومعرفة ما إذا كان هذا السلوك أخلاقيا أم لا.
وأخيرا لم تكن الأخلاق الإسلامية جافة وسلوكا روتينيا لا تمت بصلة إلى القيم، بل إنها جامعة للقيم المادية والمعنوية ومن ثم كانت سعادة الإنسان مرهونة