للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ النَّبِيُّ عليه السلام، انْتَهَى. وَالِاسْتِشْهَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَوْلَى مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله احْتَجَّ بِهِ عَلَى مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمُعْتَمِرِ.

وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ١ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلِقُوا، أَوْ يُقَصِّرُوا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ ٢ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَصَّرْت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَرْوَةِ، أَوْ رَأَيْته يُقَصِّرُ عَنْهُ عَلَى الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ، انْتَهَى. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "حَوَاشِيهِ" قَوْلُهُ: قَصَّرْت، يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ عليه السلام كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُتَمَتِّعًا، لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ يُقَصِّرُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّهُ عليه السلام حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا وَرَدَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَقِيلَ: إنَّمَا كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ عُمْرِهِ عليه السلام، قِيلَ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مَعَ أَبِيهِ، فَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: رَأَيْته يُقَصِّرُ عَنْهُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ عُمْرِهِ عليه السلام، وَأَمَّا لَفْظُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَا عَلِمْت أَنِّي قَصَّرْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصِ أَعْرَابِيٍّ عَلَى الْمَرْوَةِ لِحَجَّتِهِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: لِحَجَّتِهِ، أَيْ لِعُمْرَتِهِ، فَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ فِي عُمْرَةٍ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَالْعُمْرَةُ قَدْ تُسَمَّى حَجًّا، لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْقَصْدُ، وَقَدْ قالت للنبي عليه السلام: مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَأَنْتَ لَمْ تَحْلِلْ مِنْ عُمْرَتِك؟ قِيلَ: تُرِيدُ مِنْ حَجَّتِك، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ حِينَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ٣ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ: يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ، انْتَهَى.


١ عند البخاري في "باب تقصير المتمتع بعد العمرة" ص ٢٣٣ - ج ١.
٢ عند البخاري في "باب الحلق والتقصير عند الاحلال" ص ٢٣٣، وعند مسلم في "باب جواز تقصير المعتمر من شعره" ص ٤٠٨ - ج ١، ولفظ أبي داود في "باب الاقران" ص ٢٥١ - ج ١، وعند النسائي في "باب أن يقصر المعتمر" ص ٤١ - ج ٢.
٣ عند الترمذي في "باب متى يقطع التلبية في العمرة" ص ١٢٤، وعند أبي داود في "باب متى يقطع المعتمر التلبية" ص ٢٥٢ - ج ١، وص ٢٥٣ - ج ١، وعبد الملك ابن أبي سليمان اسمه ميسرة أبو محمد، أحد الأئمة، قال ابن مهدي: كان شعبة يعجب من حفظه، وقال ابن عيينة عن الثوري: حدثني الميزان عبد الملك ابن أبي سليمان، وقال ابن المبارك عبد الملك ميزان، كذا في "تهذيب التهذيب" ص ٣٩٧ - ج ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>