للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقدمة ط دار الحديث]

[هذه مقدمة أيمن صالح شعبان محقق طبعة دار الحديث، بالقاهرة، أثبتنا منها هنا هذا القدر اليسير، لأن باقيها كله مستل من مقدمة البنوري المثبتة في أول هذا الكتاب]

⦗٥⦘ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِن الْحَمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا.

إِنَّه من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادى لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَحده لَا شريك لَهُ.

وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله.

(يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ).

(يَا أَيهَا النَّاس تقو ربكُم الذى خَلقكُم من نَفْس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا وَبث مِنْهَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء وَاتَّقوا الله الذى تساءلون بِهِ والارحام إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا).

(يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدا يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد فَازَ فوزا عَظِيما).

إِن أصدق الحَدِيث كتاب الله، وَخير الْهدى هدى مُحَمَّد وَشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بِدعَة، وكل بِدعَة ضَلَالَة، وكل ضَلَالَة فِي النَّار.

أما بعد: إِن الْحَرَكَة التصنيفية فِي حَيَاة الامة الاسلامية أخذت كثيرا من الاشكال وتطورت من طور آخر.

وَهَذِه حَقِيقَة لَا يقبل دَفعهَا، وَلَا يستساغ إِلَّا قبُولهَا - فَمن عهد النُّبُوَّة إِلَى وقتنا هَذَا والمسيرة العلمية فِي حَيَاة الامة تمر بانماط وأطوار.

وَعَلَى هَذِه الْمسلمَة يكون التَّمْهِيد بَين يدى كتاب: نصب الرَّايَة تَخْرِيج أَحَادِيث الْهِدَايَة فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ فاولا: الْهِدَايَة مُصَنف لشرح الْمَتْن الفهى الْمُسَمَّى " بداية المبتدى " وَكِلَاهُمَا لمصنف وَاحِد هُوَ: عَلَى بن أَبَى بكر بن عبد الْجَلِيل الفرغان، شيخ الاسلام برهَان الدَّين المرغينانى (*) الْعَلامَة الْمُحَقق " صَاحب الْهِدَايَة ".

كَانَ إِمَامًا، فَقِيها، حَافِظًا مُحدثا، مُفَسرًا، جَامعا للعلوم، ضابطا للفنون، متقنا، محققا، نظارا.

⦗٦⦘

تفقه عَلَى أَئِمَّة عصره، كمفتى الثقلَيْن، نجم الدَّين أَبَى حَفْص عمر النسفى، وَابْنه أَبَى اللَّيْث " أَحْمد النسفى "، والصدر الشَّهِيد " حسام الدَّين عمر "، والصدر السعيد " تَاج الدَّين أَحْمد " " وَأَبَى عَمْرو عُثْمَان البيكندى " تلميذ شمس الائمة السرخسى وَغَيرهم كثير.

فاق شُيُوخه وأقرانه، وأذعنوا لَهُ كلهم، وَلَا سِيمَا بعد تصنيفه لكتاب " الهدايد شرح الْبِدَايَة ": " والبداية " متن فقهى كالمتون الْفِقْهِيَّة المذهبية الَّتِى كَانَ لَهَا دور بارز فِي حفظ الدَّين للامة الاسلامية.

فقد كَانَت الْحَاجة العلمية للامة إبان عصر تدوين الحَدِيث تتمثل فِي تَرْجَمَة الاحاديث وَالْخُرُوج بِنَصّ تعبدي سِيمَا وَقد فترت الهمم وَقل الْحِفْظ وركن الْعلمَاء إِلَى التَّقْلِيد.

فَلَا بُد من طور آخر يلائم حَاجَة الامة فَكَانَ: " النَّص التعبدى المذهبي " أَو " الْمَتْن المذهبي "، بَعْدَمَا توافر الْعلمَاء بالامصار وَكَانُوا أعلاما لَهَا حَتَّى كَانَ يجْتَمع بِالْمَدِينَةِ الْوَاحِدَة مِائَتَان مِنْهُم أَو يزِيد وحصيلة الافراد من الامة - غير الْعلمَاء - مئات من الاحاديث بل أُلُوف - كَانَت حِكْمَة الله وَهُوَ الْخَبِير بانحصار الْعلم فِي أفذاذ معدودين فِي الْمصر الْوَاحِد.

وَكَانَ لهَؤُلَاء الافذاذ الْمَعْدُودين - لتقدير الْعَزِيز الْحَكِيم - دور فِي نشاة الْمذَاهب الاسلامية وانتشارها فِي الامصار، والتمذهب الفقهى الذى ظهر جَلِيلًا فِي وضعهم للمصنفات لمسيرة الْوَاقِع وملاءمته لحَاجَة الامة فِي هَذَا الْوَقْت.

وَبِهَذَا نرَى بنظرة عابرة كَيْفيَّة نشوء " الْمَتْن المذهبي " ونقدر دوره الْهَام فِي حفظ الدَّين للامة.

وباستدارة الزَّمَان دارت المصنفات المستحدثة بعد الْمَتْن المذهبي فِي فلك هَذِه الْمُتُون تَارَة فِي شكل كشف غامض، أَو تَنْقِيح، أَو تذييل أَو شرح أَو ذكر دَلِيل ويغر ذَلِك.

" وَالْهِدَايَة " إِحْدَى المصنفات الَّتِى دارت فِي هَذَا الْفلك لشرح " بداية المبتدى " وَهُنَاكَ شُرُوح عَلَى الْهِدَايَة أَيْضا


(*) " مرغينان " - بِفَتْح الْمِيم -: مَدِينَة من بِلَاد فرغانة - بِفَتْح الْفَاء - وَرَاء الشاش وَرَاء جيحون وسيحون، وَأَيْضًا قَرْيَة من قرَى فَارس.

<<  <  ج: ص:  >  >>