للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيُّوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ" حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ الثري ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ، الْحَدِيثَ، سَوَاءٌ، وَيُنْظَرُ مُسْنَدُ أَحْمَدَ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَجُمْهُورُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ زَوَّجَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ ١ وَقَوْلهَا: زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ، يَكُونُ ابْنَ عَمِّهَا.

أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" ٢ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "التَّحْقِيقِ": وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ قَسَّمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ: ثَيِّبًا، وَأَبْكَارًا، ثُمَّ خَصَّ الثَّيِّبَ بِأَنَّهَا أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا، مَعَ أَنَّهَا هِيَ وَالْبِكْرُ اجْتَمَعَا فِي ذِهْنِهِ، فَلَوْ أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ فِي تَرَجُّحِ حَقِّهَا عَلَى حَقِّ الْوَلِيِّ، لَمْ يَكُنْ لِإِفْرَادِ الثَّيِّبِ بِهَذَا مَعْنًى، وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ: فِي سَائِمَةِ الغنم الزكاة، ففإن قَالُوا: قَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِلَفْظِ: الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَالْأَيِّمُ: هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، بِكْرًا كَانَتْ، أَوْ ثَيِّبًا، قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْأَيِّمِ أَيْضًا الثَّيِّبُ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْبِكْرَ، عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الثَّيِّبَ، إذْ لَيْسَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ لَيْسَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا، إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ، وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِهِ، ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِهِ - كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ - لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى إجْبَارِ كُلِّ بِكْرٍ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَا عُمُومَ لَهُ، فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ هِيَ دُونَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ قَدْ خَالَفَهُ مَنْطُوقُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ، وَالِاسْتِئْذَانُ مُنَافٍ لِلْإِجْبَارِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّفْرِيقُ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ، لِأَنَّ الثَّيِّبَ تُخْطَبُ إلَى نَفْسِهَا، فَتَأْمُرُ الْوَلِيَّ بِتَزْوِيجِهَا، وَالْبِكْرُ تُخْطَبُ إلَى وَلِيِّهَا، فَيَسْتَأْذِنُهَا، وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فِي كَوْنِ الثَّيِّبِ إذْنُهَا الْكَلَامُ، وَالْبِكْرُ إذْنُهَا الصُّمَاتُ، لِأَنَّ البكر لما كانت تستحيي أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي أَمْرِ نِكَاحِهَا، لَمْ تُخْطَبْ إلَى نَفْسِهَا، وَالثَّيِّبُ تُخْطَبُ إلَى نَفْسِهَا لِزَوَالِ حَيَاءِ الْبِكْرِ عَنْهَا، فَتَتَكَلَّمُ بِالنِّكَاحِ، وَتَأْمُرُ وَلِيَّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا، فَلَمْ يَقَعْ التَّفْرِيقُ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ لِأَجْلِ الْإِجْبَارِ، وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انتهى كلامه.

قَالَ أَصْحَابُنَا: يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إجْبَارَ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، لَهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ مَرْفُوعًا: " الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَحَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ٣، وَحَدِيثُ


١ قال ابن الهمام: كيف زوج من غير كفء، وقد كان ابن عمها، انتهى.
٢ عند مسلم في "النكاح - باب استئذان الثيب في النكاح" ص ٤٥٥.
٣ عند مسلم في "النكاح" ص ٤٥٥ - ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>