للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ قَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ عِدَّتِهَا، وَأَمَّا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": لَوْ صَحَّ الْحَدِيثَانِ لَقُلْنَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً، وَلَكِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ الْحُفَّاظُ، فَتَرَكْنَاهُ، وَأَخَذْنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَادَّعَى بَعْضُ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ١ نَسْخَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِحَدِيثِ


= - إن صح - أراد به على مثل الصداق الأول، وحديث عمرو بن شعيب عندنا صحيح، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه، وهذا يقتضي أن الفرقة تقع بينهما بإسلامهما، فكيف يخالف ابن عباس ما رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة زينب، انتهى. وقال ابن الهمام في "الفتح" ص ٥١١ - ج ٢: وأما أبو العاص، فإنما ردها عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنكاح جديد، روى ذلك الترمذي، وابن ماجه، والإمام أحمد، والجمع إذا أمكن أولى من إهدار أحدهما، وهو مجمل قوله: ردها على النكاح الأول على معنى بسبب سبقه مراعاة لحرمته، كما يقال: ضربته على إساءته، وقيل: قوله: ردها على النكاح الأول لم يحدث شيئاً، معناه على مثله لم يحدث زيادة في الصداق والحباء، وهو تأويل حسن، انتهى.
١ قال في "الجوهر النقي" ص ١٨٨ - ج ٧: وقال ابن حزم: أسلمت زينب أول ما بعث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا خلاف، ثم هاجرت وبين إسلامها وإسلام زوجها أزيد من ثمان عشرة سنة، وولدت في خلال ذلك ابنها علياً، فأين العدة؟ وذكر صاحب "التمهيد" حديث ابن عباس، ثم قال: إن صح فهو متروك منسوخ عند الجميع، ويدل على أنه منسوخ إجماع العلماء على أن أبا العاص كان كافراً، وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة كافر، قال الشعبي: ولا خلاف بين العلماء في الكافرة تسلم، فيأبى زوجها الاسلام حتى تنقضي عدتها أنه لا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد، وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى العمل بحديث عمرو بن شعيب، وأن أحد الحربيين إذا أسلم وخرج إلينا، وبقي الآخر بدار الحرب وقعت الفرقة باختلاف الدارين، لقوله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} فلو كانت الزوجية باقية، كما يقوله الشافعي، كان هو أحق بها، وقال تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} الآية، وقال تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} فأمر برد المهر على الزوج، فلو كانت الزوجية باقية لما استحق البضع، وبدله، وقال تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ولو كان النكاح الأول باقياً لما جاز أن تتزوج، وقال تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} قال ابن عطية: رأيت لأبي علي الفارسي أنه قال: سمعت الفقيه أبا الحسن الكرخي يقول في تفسير قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} : إنه في الرجال والنساء، فقلت له: النحويون لا يرون هذا إلا في النساء، لأن - كوافر - جمع كافرة، فقال: وأيش يمنع هذا؟ أليس الناس يقولون: طائفة كافرة، وفرقة كافرة، فبهت، وقلت: هذا تأييد، انتهى.
وبالجملة عند أبي حنيفة أن الحربية إذا أسلمت وهاجرت ولم يسلم زوجها تبين باختلاف الدارين، ومعنى الاختلاف أن يكون أحدهما من أهل دارنا، إما بإسلام، أو ذمة، والآخر حربياً من أهل دارهم، حتى لو دخل مسلم دارهم بأمان، أو دخل حربي دارنا أو أسلما ثمة، ثم خرج أحدهما إلينا فلا فرقة، انتهى.
فائدة مهمة: قال ابن الهمام في "الفتح" ص ٥١٢ - ج ٢: واعلم أن بنات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تتصف واحدة منهن قبل البعثة بكفر، ليقال: آمنت بعد أن لم تكن مؤمنة، فقد اتفق علماء المسلمين أن الله تعالى لم يبعث نبياً قط أشرك بالله طرفة عين، والولد يتبع المؤمن من الأبوين، فلزم أنهن لم تكن إحداهن قط إلا مسلمة، نعم قبل البعثة، كان الاسلام اتباع ملة إبراهيم حنيفاً، ومن حين وقعت البعثة لا يثبت الكفر إلا بإنكار المنكر بعد بلوغ الدعوة، ومن أول ذكره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأولاده لم تتوقف واحدة منهن، ثم قال ابن الهمام ص ٥١٠ - ج ٢: وتباين الدارين بين أبي العاص بن الربيع، وبين زينب بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أظهر، وأشهر، فإنها هاجرت إلى المدينة وتركته بمكة على شركه، ثم جاء وأسلم بعد سنتين، وقيل: ثلاث، وقيل: ثمان، فردها عليه بالنكاح الأول، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>