حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّإِ" مِنْ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا مَرِضَتْ، فَتَطَاوَلَ مَرَضُهَا، فَذَهَبَ بَنُو أَخِيهَا إلَى رَجُلٍ، فَذَكَرُوا لَهُ مَرَضَهَا، فَقَالَ: إنَّكُمْ تُخْبِرُونِي خَبَرَ امْرَأَةٍ مَطْبُوبَةٍ، قَالَ: فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ، فَإِذَا جَارِيَةٌ لَهَا سَحَرَتْهَا، وَكَانَتْ قَدْ دَبَّرَتْهَا، فَدَعَتْهَا، ثُمَّ سَأَلَتْهَا مَاذَا أَرَدْت؟ قَالَتْ: أَرَدْت أَنْ تَمُوتِي حَتَّى أُعْتَقَ، قَالَتْ: فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ تُبَاعِي مِنْ أَشَدِّ الْعَرَبِ مَلَكَةً، فَبَاعَتْهَا، وَأَمَرَتْ بِثَمَنِهَا، فَجُعِلَ فِي مِثْلِهَا، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ - فِي كِتَابِ الطِّبِّ"، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَلَنَا عَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ، وَالْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ عِنْدَنَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، إلَّا أَنْ يُثْبِتُوا أَنَّهُ كَانَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ لَيْسَ عِلَّةً فِي جَوَازِ بَيْعِهِ، لِأَنَّ الْمَذْهَبَ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" عَنْ زِيَادٍ الْأَعْرَجِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَتَرَكَ دَيْنًا، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ، قَالَ: يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ، انْتَهَى. ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ نحوه سواء، الأول مُرْسَلٌ، يَشُدُّهُ هَذَا الْمَوْقُوفُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى بَيْعِ الْخِدْمَةِ وَالنَّفَقَةِ، لَا بَيْعِ الرَّقَبَةِ، بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ١ عَنْ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ عَطَاءً، وَطَاوُسًا يَقُولَانِ عَنْ جَابِرٍ فِي الَّذِي أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ أَعْتَقَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ، فَبَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: شَهِدْت الْحَدِيثَ مِنْ جَابِرٍ، إنَّمَا أَذِنَ فِي بَيْعِ خِدْمَتِهِ، انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبُو جَعْفَرٍ هَذَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثِّقَاتِ، وَلَكِنَّ حَدِيثَهُ هَذَا مُرْسَلٌ، انْتَهَى. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي "أَحْكَامِهِ": أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي قِصَّةِ هَذَا الْمُدَبَّرِ، وَفِيهِ: وَإِنَّمَا أَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ خِدْمَتِهِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَعَبْدُ الْغَفَّارِ هَذَا يُرْمَى بِالْكَذِبِ، وَكَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "كِتَابِهِ": هُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَعَبْدُ الْغَفَّارِ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَمَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ، وَعَلَى ذَلِكَ نُقِلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، قُلْت: رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجمحي عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَلَدُ الْمُدَبَّرِ بِمَنْزِلَتِهِ، وَأَخْرَجَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ.
١ عند الدارقطني في "باب المكاتب" ص ٤٨٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute