يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَيَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ"، قَالَ أَيُّوبُ: فَقَدْ نَالَهُ الْعَدُوُّ، وَخَاصَمُوكُمْ بِهِ، انْتَهَى. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَإِنِّي أَخَافُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ".
وَاخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ - أَعْنِي قَوْلَهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ - هَلْ هِيَ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ؟، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ" هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ، غَيْرَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنَ بُكَيْر أَخْرَجَاهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، فَإِنْ صَحَّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مَالِكًا شَكَّ فِي رَفْعِهَا مَرَّةً، فَوَقَفَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: غَلَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، فَزَعَمَ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِ السُّنَنِ": هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَأَفْرَدَ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ، وَوَافَقَ الْقَعْنَبِيَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَالْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَأَدْرَجَهَا فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى الْقَعْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ، فَمَرَّةً يُبَيِّنُ أَنَّهَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَرَّةً يُدْرِجُهَا فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ عَنْ مَالِكٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَلْبَتَّةَ، وَقَدْ رَفَعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَالِكًا شَكَّ، هَلْ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَا، فَجَعَلَ لِتَحَرِّيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ، انْتَهَى. وَذَهِلَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، فَعَزَاهُ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، لِمَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّإِ" فَقَطْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الْجَيْشِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ ضَيَاعُهُ، وَالشَّافِعِيَّةُ مَعَنَا فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ الْمَالِكِيَّةُ بِإِطْلَاقِهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُيُوشِ وَالسَّرَايَا عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَهُوَ - وَإِنْ كَانَ نَيْلُ الْعَدُوِّ لَهُ فِي الْجَيْشِ الْعَظِيمِ نَادِرًا - فَنِسْيَانُهُ وَسُقُوطُهُ لَيْسَ نَادِرًا، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ فِي الْحَدِيثِ الْمُصْحَفُ. وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ: "بَابُ السَّفَرُ بِالْمَصَاحِفِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ" يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ، انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute