للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ لَهُ سَهْمٌ، كَسَهْمِ أَحَدِهِمْ، وَعَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَهُوَ الشَّطْرُ لِنَوَائِبِهِ، وَمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْوَطِيحَ، وَالْكَتِيبَةَ، وَالسَّلَالِمَ، وتوابعها، فلما صارت الأمور بِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُمَّالٌ يَكْفُونَهُمْ عَمَلَهَا، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ، فَعَامَلَهُمْ، انْتَهَى. زَادَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "كِتَابِ الْأَمْوَالِ": فَعَامَلَهُمْ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ، فَكَثُرَ الْعُمَّالُ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَوُوا على العمل، فأجلا عُمَرُ الْيَهُودَ إلَى الشَّامِ، وَقَسَمَ الْأَمْوَالَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إلَى الْيَوْمِ، انْتَهَى. وَبَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ، وَغَيْرِهِ يَرْوِي هَذَا الْخَبَرَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَبَعْضُ أَصْحَابِ يَحْيَى يَقُولُ فِيهِ: عَنْ بَشِيرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرْسِلُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرَقِّعِ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَسَمَهَا عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَجَعَلَ لِكُلِّ مِائَةٍ سَهْمًا، وَهِيَ مُخْضَرَّةٌ مِنْ الْفَوَاكِهِ، فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَى الْفَاكِهَةِ، فَأَخَذَتْهُمْ الْفَاكِهَةُ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ الْحُمَّى قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَإِذَا هِيَ أَخَذَتْكُمْ فَبَرِّدُوا لَهَا الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ، ثُمَّ صُبُّوهَا عَلَيْكُمْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ - يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ - قَالَ: فَفَعَلُوا، فَذَهَبَتْ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي "سِيرَتِهِ عُيُونِ الْأَثَرِ": اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَدِينَةِ إذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، هَلْ تُقْسَمُ أَرْضُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ، أَوْ تُوقَفُ؟ فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمَهَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْضِ خَيْبَرَ، أَوْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا، وَيَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ، فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَبِالثَّانِي أَخَذَ مَالِكٌ، نَفْعًا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَيْبَرَ قُسِمَتْ كُلَّهَا سُهْمَانًا، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" ١ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوُهُ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، وَجَمَعَ السَّبْيَ، قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي "مَغَازِيهِ": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ أَنَّهَا كَانَتْ عَنْوَةً، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ جَمِيعَ أَرْضِهَا عَلَى الْغَانِمِينَ، وَهُمْ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ، وَرَوَى مُوسَى


١ الأحاديث المذكورة في كلام أبي الفتح اليعمري، وابن عبد البر المعزوة إلى أبي داود، هي عنده في "باب حكم أرض خيبر".

<<  <  ج: ص:  >  >>