فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْيَةَ بْنِ عَمْرٍو: " أَيْنَ مِسْكُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ؟ " قَالَ: أَذْهَبَتْهُ الْحُرُوبُ وَالنَّفَقَاتُ، فَوَجَدُوا الْمِسْكَ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي الْحَقِيقِ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَعْمَلْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، وَلَنَا الشَّطْرُ مَا بَدَأَ لَكُمْ، وَلَكُمْ الشَّطْرُ، وَزَادَ الْبَلَاذِرِيُّ فِيهِ: قَالَ: فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْيَةَ بْنَ عَمْرٍو إلَى الزُّبَيْرِ، فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، فَقَالَ: رَأَيْت حُيَيًّا يَطُوفُ فِي هَذِهِ الْخَرِبَةِ، فَفَتَّشُوهَا، فَوَجَدُوا الْمِسْكَ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي الْحَقِيقِ، وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ، لِلنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، فَفِي هَذَا أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَأَنَّ الصُّلْحَ اُنْتُقِضَ، فَصَارَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ خَمَّسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَسَمَهَا، وَفِي رِوَايَةِ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ الْمُرْسَلَةِ: أَنَّهُ عليه السلام عَزَلَ شَطْرَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ مِنْهَا الْوَطِيحُ، وَالسَّلَالِمُ، وَالْكَتِيبَةُ الَّتِي كَانَ بَعْضُهَا صُلْحًا وَبَعْضُهَا عَنْوَةً، وَقَدْ تَكُونُ غَلَبَ عَلَيْهَا حُكْمُ الصُّلْحِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْسِمْ فِيمَا قَسَمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَالْوَطِيحُ، وَالسَّلَالِمُ، لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ صَرِيحٌ فِي الْعَنْوَةِ، فَصَارَ هَذَا الْقَوْلُ قَوِيًّا، انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الْفَتْحِ رحمه الله.
قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا، وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، وَعَلَى أَرَاضِيهِمْ الْخَرَاجَ، هَكَذَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةٍ مِنْ الصحابة، ولم يحمل مَنْ خَالَفَهُ، قُلْت: رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي "الطَّبَقَاتِ - فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ "ح" وَأَخْبَرَنَا مُخْبِرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُيَسَّرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَّهَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى خَرَاجِ السَّوَادِ، وَرِزْقُهُ كُلَّ يَوْمٍ رُبْعُ شَاةٍ وَخَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَ السَّوَادَ عَامِرَهُ وَغَامِرَهُ، وَلَا يَمْسَحَ سَبْخَةً، وَلَا تَلًّا، وَلَا أَجَمَةً، وَلَا مُسْتَنْقَعَ مَاءٍ، وَلَا مَا لَا يَبْلُغُهُ الْمَاءُ، فَمَسَحَ عُثْمَانُ كُلَّ شَيْءٍ دُونَ الْجَبَلِ - يَعْنِي حُلْوَانَ - إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ - وَهُوَ أَسْفَلُ الْفُرَاتِ - وَكَتَبَ إلَى عُمَرَ: إنِّي وَجَدْت كُلَّ شَيْءٍ بَلَغَهُ الْمَاءُ مِنْ عَامِرٍ وَغَامِرٍ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفَ جَرِيبٍ، وَكَانَ ذِرَاعُ عُمَرَ الَّذِي مَسَحَ بِهِ السَّوَادَ ذِرَاعًا وَقَبْضَةً، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ افْرِضْ الْخَرَاجَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ، عَمَلَهُ صَاحِبُهُ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْهُ، دِرْهَمًا وَقَفِيزًا، وَافْرِضْ عَلَى الْكَرْمِ، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الرِّطَابِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَأَطْعِمْهُمْ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ، وَقَالَ: هَذَا قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى عِمَارَةِ بِلَادِهِمْ، وَفَرَضَ عَلَى رِقَابِهِمْ، عَلَى الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى مَنْ دُونَ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَقَالَ: دِرْهَمٌ لَا يُعْوِزُ رَجُلًا فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَرَفَعَ عَنْهُمْ الرِّقَّ بِالْخَرَاجِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي رِقَابِهِمْ، وَجَعَلَهُمْ أَكَرَةً فِي الْأَرْضِ، فَحُمِلَ مِنْ خَرَاجِ سَوَادِ الْكُوفَةِ إلَى عُمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute