للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ ذَهَبَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ " فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْته، فقال: "هل مسحتما سيفكما"، قَالَا: لَا؟ فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ"، ثُمَّ قَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَالرَّجُلَانِ: مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ، وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ السَّلَبَ لَوْ كَانَ لِلْقَاتِلِ لَقَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا، وَكَوْنُهُ عليه السلام دَفَعَهُ إلَى أَحَدِهِمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مُفَوَّضٌ إلَى الْإِمَامِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، فَإِنَّ غَنِيمَةَ بَدْرٍ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَصِّ الْكِتَابِ يُعْطِي مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ قَسَمَ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَشْهَدُوا، ثُمَّ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الْغَنِيمَةِ بَعْدَ بَدْرٍ، وَقَضَى عليه السلام بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَثْخَنَهُ، وَالْآخَرُ جرحه بعدُه، فَقَضَى بِسَلَبِهِ لِلْأَوَّلِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد١، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: خَرَجْت مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَرَافَقَنِي مَدَدِي مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَلَقِينَا جُمُوعَ الرُّومِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سَرْجٌ مُذْهَبٌ، وَسِلَاحٌ مُذْهَبٌ، فَجَعَلَ الرُّومِيُّ يُغْرِي بِالْمُسْلِمِينَ، وَقَعَدَ لَهُ الْمَدَدِيُّ خَلْفَ صَخْرَةٍ، فَمَرَّ بِهِ الرُّومِيُّ، فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ، فَخَرَّ، وَعَلَاهُ فَقَتَلَهُ، وَحَازَ فَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعَثَ إلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَأَخَذَ مِنْهُ سَلَبَ الرُّومِيِّ، قَالَ عَوْفٌ: فَأَتَيْت خَالِدًا فَقُلْت لَهُ: يَا خَالِدُ أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْته، قُلْت: لَتَرُدَّنَّهُ، أَوْ لِأُعَرِّفَنكهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ، قَالَ عَوْفٌ: فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَصْت عَلَيْهِ قِصَّةَ الْمَدَدِيِّ، وَمَا فَعَلَ خَالِدٌ، فَقَالَ عليه السلام: " يَا خَالِدُ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَكْثَرْته، فَقَالَ عليه السلام: " يَا خَالِدُ رُدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذْت مِنْهُ"، قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْت: دُونَك يَا خَالِدُ أَلَمْ أَفِ لك؟! فقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا ذَلِكَ؟ " قَالَ: فَأَخْبَرْته بِهِ، قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "يَا خَالِدُ لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي أُمَرَائِي، لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ، وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ"، انْتَهَى. وَاعْتَذَرَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: إنَّمَا مَنَعَ عليه السلام خَالِدًا فِي الثَّانِيَةِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى عَوْفٍ سَلَبَهُ، زَجْرًا لِعَوْفٍ، لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ النَّاسُ عَلَى الْأَئِمَّةِ، لِأَنَّ خَالِدًا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي صُنْعِهِ، لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، فَأَمْضَى عليه السلام اجْتِهَادَهُ، وَالْيَسِيرُ مِنْ الضَّرَرِ يَحْتَمِلُ الْكَثِيرَ مِنْ النَّفْعِ، قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عليه السلام قَدْ عَوَّضَهُ مِنْ الْخُمُسِ الَّذِي هُوَ لَهُ، انْتَهَى.


١ عند أبي داود في "الجهاد - باب في الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى" ص ١٦ - ج ٢، وعند مسلم في "الجهاد" ص ٨٨ - ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>