وَكَذَلِكَ مَكَّةُ، إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَنَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُعَرِّضْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يغنم أموالهم، قال: حدثت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي مَكَّةَ: لَا تَحِلُّ غَنِيمَتُهَا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: كُلُّ أَرْضٍ أُخِذَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَرَ أَنْ يَجْعَلَهَا فَيْئًا مَوْقُوفًا، وَلَكِنَّهُ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهَا غَنِيمَةً فَخَمَّسَهَا، وَقَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا خَاصَّةً، كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، فَهِيَ أَيْضًا مِلْكُهُمْ، لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الْعُشْرِ، وَكَذَلِكَ الثُّغُورُ كُلُّهَا إذَا قُسِمَتْ بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا خَاصَّةً، وَعَزَلَ عَنْهَا الْخُمُسَ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ.
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ: كُلُّ أَرْضٍ عَادِيَةٍ لَا رَبَّ لَهَا، وَلَا عَامِرَ، أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ رَجُلًا إقْطَاعًا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ أَوْ غَيْرِهَا، كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، فِيمَا أَقَطَعُوا مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَالْيَمَامَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَمَا أشبهها.
النوع الرَّابِعُ: كُلُّ أَرْضٍ مَيِّتَةٍ اسْتَخْرَجَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَأَحْيَاهَا بِالنَّبَاتِ، وَالْمَاءِ.
فَهَذِهِ الْأَرْضُونَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهَا السُّنَّةُ بِالْعُشْرِ، أَوْ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَكُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ، فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ، إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا، كَزَكَاةِ الْمَاشِيَةِ، وَالصَّامِتُ يُوضَعُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي "سُورَةِ بَرَاءَةٌ" خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ النَّاسِ، وَمَا سِوَى هَذِهِ من البلاد، فلا تخلوا مِنْ أَنْ تَكُونَ أَرْضَ عَنْوَةٍ صُيِّرَتْ فَيْئًا كَأَرْضِ السَّوَادِ، وَالْجِبَالِ، وَالْأَهْوَازِ، وَفَارِسَ، وَكَرْمَانَ، وَأَصْبَهَانَ، وَالرَّيِّ، وَأَرْضِ الشَّامِ، سِوَى مُدُنِهَا، وَمِصْرَ، وَالْمَغْرِبِ، أَوْ يَكُونَ، أَرْضَ صُلْحٍ، مِثْلُ: نَجْرَانَ، وَأَيْلَةَ، وَأَذْرَحَ، وَدُومَةَ الْجَنْدَلِ، وَفَدَكَ، وَمَا أَشْبَهَهَا، مِمَّا صَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُلْحًا، أَوْ فَعَلَتْهُ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ، وَكَبِلَادِ الْجَزِيرَةِ، وَبَعْضِ أَرْمِينِيَةَ، وَكَثِيرٍ مِنْ كُوَرِ خُرَاسَانَ، فَهَذَانِ النَّوْعَانِ مِنْ الْأَرَضِينَ، الصُّلْحُ، وَالْعَنْوَةُ الَّتِي تَصِيرُ فَيْئًا يَكُونَانِ عَامًّا لِلنَّاسِ فِي الْأَعْطِيَةِ، وَأَرْزَاقِ الذُّرِّيَّةِ، وَمَا يَنُوبُ الْإِمَامُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ١: الْأَرْضُ الْمُفْتَتَحَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا الْأَرَاضِي الَّتِي أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَهِيَ لَهُمْ مِلْكٌ، وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ لَا شيء عليهم غيرها، وَأَرْضٌ اُفْتُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى خَرَاجٍ مَعْلُومٍ، فَهُمْ عَلَى مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، لَا يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَأَرْضٌ أُخِذَتْ عَنْوَةً فَهِيَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهَا، فَقِيلَ: سَبِيلُهَا سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ، تُخَمَّسُ وَتُقْسَمُ، فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَالْخُمُسُ الْبَاقِي لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: النَّظَرُ فِيهَا لِلْإِمَامِ إنْ شَاءَ جَعَلَهَا غَنِيمَةً، فَيُخَمِّسُهَا وَيَقْسِمُهَا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا مَوْقُوفَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا بَقُوا، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِالسَّوَادِ، انْتَهَى كَلَامُهُ مُحَرَّرًا.
١ ذكره في "كتاب الأموال - باب فتوح الأرضين صلحاً، وسننها وأحكامها" ص ١٤١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute