عَشَرَ رَجُلًا أَحَدُهُمْ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ الْبَيَاضِيُّ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا فِي فَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ، وَصَارَ مَعَهُمْ عَامِلًا عَلَى حَضْرَمَوْتَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَلِيَ أَبُو بَكْرٍ أَرْسَلَ إلَى زِيَادٍ بِكِتَابٍ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، وَيُوصِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَيَسْأَلُهُمْ أَنْ يُبَايِعُوهُ، فَقَرَأَ زِيَادٌ عَلَيْهِمْ الْكِتَابَ، فَنَكَصُوا عَنْ الْبَيْعَةِ، وَارْتَدُّوا، وَمِمَّنْ نَكَصَ عَنْ الْبَيْعَةِ الْأَشْعَثُ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ، فَصَاحَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ بِأَصْحَابِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ شَدِيدٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: بَرَزَ يَوْمئِذٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَبَرَزْتُ إلَيْهِ، وَكَانَ شُجَاعًا، قَالَ: فَتَنَاوَلْنَا بِالرُّمْحَيْنِ مُعْظَمَ النَّهَارِ، فَلَمْ يَظْفَرْ أَحَدُنَا بِصَاحِبِهِ، ثُمَّ صِرْنَا إلَى السَّيْفَيْنِ بَقِيَّةَ النَّهَارِ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدُنَا عَلَى الْآخَرِ، ونحن فارسان، فلما أسلموا تَفَرَّقُوا، وَتَوَجَّهَ زِيَادٌ إلَى بَيْتِهِ، بَعْدَ أَنْ بَعَثَ عيوناً في غُرَّتِهِمْ، فَجَاءَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَأَخْبَرَهُ بِغُرَّةٍ مِنْهُمْ، فَسَارَ إلَيْهِمْ لَيْلًا فِي مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَإِذَا هُمْ هدأوا وَنَامُوا، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَهُمْ، وَذَبَحَ مُلُوكَهُمْ وَأَشْرَافَهُمْ، وَبَعَثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إلَى الْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ عَامِلًا عَلَى صَنْعَاءَ، اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا، أَنْ يَسِيرَ إلَى زِيَادٍ بِمَنْ حَضَرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُ عَلَى زِيَادٍ اشْتَدَّ أَمْرُهُمَا، وَحَاصَرَا النُّجَيْرَ أَيَّامًا حِصَارًا شَدِيدًا، فَلَمَّا جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ، قَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: وَاَللَّهِ إنَّ الْمَوْتَ بِالسَّيْفِ لَأَهْوَنُ مِنْ الْمَوْتِ بِالْجُوعِ، فَدَعُونِي أَنْزِلُ إلَى هَؤُلَاءِ، فَآخُذُ لِي وَلَكُمْ الْأَمَانَ مِنْهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: افْعَلْ، وَأَرْسَلَ الْأَشْعَثُ إلَى زِيَادٍ يَسْأَلُهُ الْأَمَانَ، وَأَجَابَهُ، فَنَزَلَ إلَيْهِ، فَأَرَادَ زِيَادٌ قَتْلَهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: لَا تَقْتُلْنِي، وَابْعَثْ لِي إلَى أَبِي بَكْرٍ، يَرَى فِي رَأْيَهُ، فَإِنَّهُ يَكْرَهُ قَتْلَ مِثْلِي، وَأَنَا أَفْتَحُ لَك النُّجَيْرَ، فَآمَنَهُ زِيَادٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَهْلِهِ، وَمَالِهِ، وَفَتَحَ لَهُ الْأَشْعَثُ النُّجَيْرَ، وَدَخَلَ زِيَادٌ إلَى النُّجَيْرِ، فَأَخْرَجَ مِنْ مُقَاتِلَتِهِمْ خَلْقًا كَثِيرًا، فَعَمَدَ إلَى أَشْرَافِهِمْ، وَكَانُوا سَبْعَمِائَةٍ رَجُلٍ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَرَكَ جُثَثَهُمْ لِلسِّبَاعِ، لَمْ يُوَارِ مِنْهَا شَيْئًا، وَسَبَى مِنْ مُقَاتِلِيهِمْ ثَمَانِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ الذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ، فَعَزَلَهُمْ عَلَى حِدَةٍ، وَبَعَثَ زِيَادٌ بِالْجَمِيعِ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْسَلَ مَعَهُمْ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ فِي وِثَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ، فَلَمَّا دَخَلَ الْأَشْعَثُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ الَّذِي فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا، وَفَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ يُعَدِّدُ لَهُ ذُنُوبَهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، دَعْ عَنْك مَا مَضَى، وَاسْتَقْبِلْ الْأُمُورَ إذَا أَقْبَلْتَ، فَوَاَللَّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ مَا كَفَرْتُ بَعْدَ إسْلَامِي، وَلَكِنْ شَحَحْتُ بِمَالِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَلَسْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، وَتَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ الْأَشْعَثُ: نَعَمْ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ، وَلَكِنْ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ تُبْت مِمَّا صَنَعْتُ، وَرَجَعْتُ إلَى مَا خَرَجْت مِنْهُ، فَأَطْلِقْ سراحي، وَاسْتَبْقِنِي لِحَرْبِك، وَزَوِّجْنِي أُخْتَك، فَأَطْلَقَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَبِلَ تَوْبَتَهُ، وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ أُمَّ فَرْوَةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute