للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ رَوَاهُ الْمُبَارَكُ بْنُ مُجَاهِدٍ، وَوَهَمَ عَلَى مَالِكٍ فِي رَفْعِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ سَعِيدٍ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ عِلَّتُهُ، وَإِنَّمَا عِلَّتُهُ أَنَّ الْمُبَارَكَ بْنَ مُجَاهِدٍ ضَعِيفٌ، وَمَعَ ضَعْفِهِ فَقَدْ انْفَرَدَ عَنْ مَالِكٍ بِرَفْعِهِ، وَالنَّاسُ رَوَوْهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا، انْتَهَى. قُلْت: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِهِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْبَيْهَقِيُّ لِرَفْعِهِ أَصْلًا.

حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيُّ بِحَدِيثٍ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ" , رَوَاهُ مُسْلِمٌ١ قَالَ: وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الطَّعَامَ مُشْتَقٌّ مِنْ الطَّعْمِ، فَهُوَ يَعُمُّ الْمَطْعُومَ٢.

وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ" فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ٣ وَلَكِنْ أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الرَّاوِيَ اخْتَصَرَهُ، فَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرِّبَا فِي صِنْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ تَمْرٍ بِحِنْطَةٍ، فَقَالَ: "إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ"، فَأَدَّاهُ دُونَ مَسْأَلَةِ السَّائِلِ، قَالَ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ حَدِيثُ: "مَنْ قَطَعَ سِدْرًا صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ"، قَالَ: فَحَمَلَهُ الْمُزَنِيّ عَلَى سِدْرٍ لِقَوْمٍ، هَجَمَ إنْسَانٌ عَلَى قَطْعِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَأَدْرَكَ رَاوِي الْحَدِيثِ جَوَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُدْرِكْ الْمَسْأَلَةَ، قَالَ: وَحَمَلَهُ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ عَلَى سِدْرٍ فِي فَلَاةٍ، يَسْتَظِلُّ بِهَا النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ، فَقَطَعَهُ إنْسَانٌ عَبَثًا بِغَيْرِ حَقٍّ، قَالَ: وَهَذَا مَعَ أَنَّ أَسَانِيدَهُ مُضْطَرِبَةٌ مَعْلُولَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي السُّنَنِ، وَمَدَارُهَا عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ كَانَ يَقْطَعُهَا مِنْ أَرْضِهِ، قَالَ: وَكِبَارُ الصَّحَابَةِ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ بِرِبَا الْفَضْلِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَقْدَمُ صُحْبَةً مِنْ أُسَامَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو سَعِيدٍ أَكْثَرُ حِفْظًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُهُمْ بِذَلِكَ، فَالْحُجَّةُ فِيمَا رَوَاهُ الْأَكْبَرُ وَالْأَحْفَظُ وَالْأَقْدَمُ أَوْلَى، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ"، قُلْت: غَرِيبٌ، وَمَعْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ عليه السلام: "الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءَ وَهَاءَ"، قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ


١ عند مسلم في الربا ص ٢٦ ج ٢.
٢ وقال ابن التركماني في الجوهر وقال ابن حزم: أجرى الشافعي الربا في السقمونيا، ولا يطلق عليه اسم الطعام، انتهى.
٣ عند مسلم في الربا ص ٢٧ ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>