للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ أَرْسَلَنِي ابْنُ شَدَّادٍ، وَأَبُو بُرْدَةَ، وَقَالَا: انْطَلِقْ إلَى ابْنِ أَبِي أَوْفَى، فَقُلْ لَهُ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ، وَأَبَا بُرْدَةَ يُقْرِئَانِك السَّلَامَ، وَيَقُولَانِ: هَلْ كُنْتُمْ تُسْلِفُونَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ كُنَّا نُصِيبُ غَنَائِمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُسْلِفُهَا فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ وَالتَّمْرِ، فَقُلْت: عِنْدَ مَنْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ، أَوْ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعٌ؟ فَقَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَا: انْطَلِقْ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى فَاسْأَلْهُ، فَانْطَلَقَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى، انْتَهَى. وَكَانَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ اسْتَقْصَى شَرَائِطَ السَّلَمِ فِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وُجُودَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمَحِلِّ، وَمِنْ الثَّانِي تَرْكُ الِاسْتِقْصَاءِ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ: وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ. قُلْت: يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْبَابِ: نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ حَدِيثًا وَاحِدًا.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عليه السلام: "إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ"، قُلْت: تَقَدَّمَ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عليه السلام: " أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ"؟! قُلْت: غَرِيبٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا. أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَرِيهِ آفَةٌ فَلَا قُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عليه السلام حَيْثُ قَالَ: " أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ؟ "، وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْبَيْعِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ١ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، فَقُلْت لِأَنَسٍ: مَا زُهُوُّهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتُك إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيك؟. انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ بِعْت مِنْ أَخِيك تمراً فأصابه جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيك بِغَيْرِ حَقٍّ"، انْتَهَى. وَأَمَّا فِي السَّلَمِ فَلَا أَعْرِفُ وُرُودَ هَذَا، لَكِنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إنْ لَمْ يُثْمِرْهَا اللَّهُ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ "، انْتَهَى. هَلْ يُؤْخَذُ بِإِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ السلم أَيْضًا أَوْ يُصْرَفُ إلَى الْبَيْعِ، كَالْأَوَّلِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيُعَادُ فِيهِ التَّأَمُّلُ.


١ عند البخاري في البيوع باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ص ١٩٣ ج ١، وعند مسلم في البيوع باب وضع الجوائح ص ١٦ ج ٢، وكذا حديث جابر عند مسلم: ص ١٦ ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>