للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ أَبِي قُرَّةَ الْكِنْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ الْأَسَاوِرَةِ، وَكُنْت أَخْتَلِفُ إلَى الْكُتَّابِ، وَكَانَ مَعِي غُلَامَانِ، إذَا رَجَعَا مِنْ الْكُتَّابِ دَخَلَا عَلَى قَسٍّ، فَأَدْخُلُ مَعَهُمَا، فَلَمْ أَزَلْ أَخْتَلِفُ إلَيْهِ مَعَهُمَا، حَتَّى صِرْتُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْهُمَا، وَكَانَ يَقُولُ لِي: يَا سَلْمَانُ إذَا سَأَلَك أَهْلُك مَنْ حَبَسَك؟ فَقُلْ: مُعَلِّمِي، وَإِذَا سَأَلَك مُعَلِّمُك مَنْ حَبَسَك؟ فَقُلْ: أَهْلِي، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَلَمَّا مَاتَ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ الرُّهْبَانُ، وَالْقِسِّيسُونَ سَأَلْتُهُمْ، فَقُلْتُ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ! دُلُّونِي عَلَى عَالِمٍ أَكُونُ مَعَهُ، قَالُوا: مَا نَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ، أَعْلَمَ مِنْ رَجُلٍ كَانَ يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَإِنْ انْطَلَقْتَ الْآنَ وَجَدْت حِمَارَهُ عَلَى بَابٍ بيت الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَإِذَا أَنَا بِحِمَارٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ، حَتَّى خَرَجَ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: اجْلِسْ، حَتَّى أَرْجِعَ إلَيْك، قَالَ: فَلَمْ أَرَهُ إلَى الْحَوْلِ، وَكَانَ لَا يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ إلَّا فِي السَّنَةِ مَرَّةً فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ، فَلَمَّا جَاءَ، قُلْتُ لَهُ: مَا صَنَعْتَ فِي أَمْرِي؟ قَالَ: وأنت إلى الآن ههنا بَعْدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ يَتِيمٍ خَرَجَ فِي أَرْضِ تِهَامَةَ، وَإِنْ تَنْطَلِقْ الْآنَ تُوَافِقْهُ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَعِنْدَ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ الْيَمِينِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، مِثْلُ الْبَيْضَةِ، لَوْنُهُ لَوْنُ جِلْدِهِ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ تَرْفَعُنِي أَرْضٌ، وَتَخْفِضُنِي أُخْرَى حَتَّى أَصَابَنِي قَوْمٌ مِنْ الْأَعْدَاءِ، فَأَخَذُونِي، فَبَاعُونِي حَتَّى وَقَعْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الْعَيْشُ عَزِيزًا، فَسَأَلْتُ قَوْمِي أَنْ يَهَبُوا لِي يَوْمًا، فَفَعَلُوا، فَانْطَلَقْتُ، فَاحْتَطَبْتُ، فَبِعْتُهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، ثُمَّ صَنَعْتُ بِهِ طَعَامًا، وَاحْتَمَلْتُهُ حَتَّى جِئْتُ بِهِ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ عليه السلام: "مَا هَذَا"؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "كُلُوا"، وَأَبَى هُوَ أَنْ يَأْكُلَ، فَقُلْت فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ مَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَوْهَبْتُ قَوْمِي يَوْمًا آخَرَ، فَفَعَلُوا، فَانْطَلَقْت، فَاحْتَطَبْتُ، فَبِعْتُهُ بِأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فصعنت طَعَامًا، وَأَتَيْته بِهِ فَقَالَ: "مَا هَذَا"؟ قُلْتُ: هَدِيَّةٌ، فَقَالَ بِيَدِهِ: "بِسْمِ اللَّهِ كُلُوا"، فَأَكَلَ، وَأَكَلُوا مَعَهُ، وَقُمْتُ إلَى خَلْفِهِ، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ كَتِفِهِ، فَإِذَا خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، كَأَنَّهُ بَيْضَةٌ، قُلْتُ: أَشْهَدْ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: "وَمَا ذَاكَ"؟ فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثِي، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْقِسُّ الَّذِي أَخْبَرَنِي أَنَّكَ نَبِيٌّ، أَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: "لَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ"، قُلْتُ: إنَّهُ زَعَمَ أَنَّك نَبِيٌّ، قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا نَفْسُ مُسْلِمَةٌ"، انْتَهَى.

طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ١ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ ثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ أَنَّهُ سَأَلَ سَلْمَانَ، كَيْفَ كَانَ بَدْءُ


١ في المستدرك في مناقب سلمان الفارسي ص ٥٩٩ ج ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>