للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمْسَكَ يَدَهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ وَاحِدَةٌ، وَمَضَيْتُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ الْغَدِ، وَمَعِي شَيْءٌ آخَرُ، فَقُلْتُ لَهُ: إنِّي رَأَيْتُك لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ، أَكْرَمْتُك بِهَا، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ، فَأَكَلُوا، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَاتَانِ ثِنْتَانِ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُهُ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَدْبَرْت أَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهِ، هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي، فَعَرَفَ الَّذِي أُرِيدُ، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إلَى الْخَاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَبَّلْتُهُ، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي، فَأَعْجَبَهُ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَسْمَعَهُ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا سَلْمَانُ كَاتِبِ عَنْ نَفْسِك"، قال: فكاتبت مولاتي عن نفسي بثلثمائة نَخْلَةٍ، وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَرَجَعْتُ إلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "أَعِينُوا أَخَاكُمْ"، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يُعِينُنِي بِثَلَاثِينَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَدِيَّةً، وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ، وَالرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، حتى جمعوا لي ثلثمائة وَدِيَّةٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعِي، فَجَعَلْتُ أُقَرِّبُ لَهُ الْوِدِّيَّ، وَهُوَ يَغْرِسُهُ بِيَدِهِ، قَالَ: وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ، فَأَتَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ لِي: "يَا سَلْمَانُ خُذْ هَذِهِ، فَأَدِّهَا بِمَا عَلَيْك"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: "خُذْهَا، فَإِنَّهَا سَتُؤَدِّي عَنْك"، قَالَ سَلْمَانُ: فَوَاَلَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ لَقَدْ وَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا بِيَدِي أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، وَأَوْفَيْتهمْ حَقَّهُمْ، وَعَتَقَ سَلْمَانُ، وَشَهِدْتُ الْخَنْدَقَ حُرًّا، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَشْهَدٌ، مُخْتَصَرٌ مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ١ فِي تَرْجَمَةِ سَلْمَانَ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مُخْتَصَرًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ، وَأَنَا مَمْلُوكٌ، فَقُلْت لَهُ: هَذَا صَدَقَةٌ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ، ثُمَّ أَتَيْته بِطَعَامٍ آخَرَ، فَقُلْت، هَذَا هَدِيَّةٌ لَك، أُكْرِمُك بِهِ، فَإِنِّي لَا أَرَاك تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوا، وَأَكَلَ مَعَهُمْ، انْتَهَى. وَكَانَ هَذَا الْإِسْنَادُ دَاخِلًا فِي مُسْنَدِ سَلْمَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام قَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ، وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً، قُلْت: حَدِيثُ بَرِيرَةَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا، وَيَشْتَرِطُوا وَلَاءَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا، وَاعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَعَتَقَتْ، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَوْجِهَا، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا، وَتُهْدِي لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ٢


١ قلت: لم أجد في ابن سعد في ترجمة سلمان الفارسي بهذا السياق، والله أعلم.
٢ عند البخاري في النكاح في باب الحرة تحت العبد ص ٧٦٣ ج ٢، وفي الطلاق في باب لا يكون بيع الأمة طلاقاً ص ٧٩٥ ج ٢، وعند مسلم في العتق ص ٤٩٤ ج ١، وفي الزكاة ٣٤٥ ج ١ وعند أبي داود في الطلاق في باب المملوكة تعتق وهي تحت حر أو عبد ص ٣٠٤ ج ١، وعند النسائي في الطلاق في باب خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك ص ١٠٦ ج ٢، وعند الترمذي في الرضاع في باب ما جاء في الأمة تعتق ولها زوج ص ١٤٩، وعند ابن ماجه في الطلاق في باب خيار الأمة إذا أعتقت ص ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>