للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ"، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ١ نَسْخَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ"، وَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} قَالَ: "اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ"، وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا كَلَامٌ بَارِدٌ، فَإِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا صَدَرَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ٢، وَنُزُولُ {سَبِّحْ} قَبْلَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطَّوِيلُ فِي الْهِجْرَةِ٣، وَفِيهِ: فَمَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَفِظْت {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} فِي سُوَرٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ٤ فِي قِصَّةِ مَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ حِينَ افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى - وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ٥ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِـ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} - وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ، وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ٦ نَحْوُهُ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَطَوِّعِ، حَمَلَهُ٧ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ نُزُولَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} هُنَاكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَهُنَا جَعَلَهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عليه السلام، فَقَدْ ادَّعَى نَسْخَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا نَزَلَ قَبْلَهُ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، هَذَا شَأْنُ مَنْ يُسَوِّي الْأَحَادِيثَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَالْمَشْهُورُ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ سُورَةَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَسُورَةَ: الْوَاقِعَةِ - وَالْحَاقَّةِ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ} نَزَلْنَ بِمَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْحَدِيثُ الْخَمْسُونَ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ


١ في باب ما ينبغي أن يقال في الركوع والسجود ص ١٣٨.
٢ حديث أنس أخرجه البخاري في التهجد - في باب من رجع القهقرى في صلاته ص ١٦٠.
٣ حديث البراء أخرجه البخاري في الهجرة - في باب مقدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إلى المدينة ص ٥٥٨.
٤ حديث معاذ أخرجه البخاري في باب من شكا إمامه إذا طول ص ٩٨، ومسلم في باب القراءة في العشاء ص ١٨٧، والطحاوي في باب القراءة في صلاة المغرب ص ١٢٥، وأصحاب السنن كلهم، من حديث جابر رضي الله عنه.
٥ عند مسلم في الجمعة ص ٢٨٨، وأخرجه الطحاوي في باب التوقيت في القراءة في الصلاة ص ٢٤٠.
٦ حديث سمرة عند النسائي في الجمعة ص ٢١٠، وأبو داود في باب ما يقرأ في الجمعة ص ١٧٧، وأحمد: ص ٧ - ج ٥، والطحاوي: ص ٢٤٠.
٧ حمله على هذا في باب الرجل يصلي الفريضة خلف من يصلي تطوعاً ص ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>