للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ فَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَفَسَّرَهُ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ": وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ حِينَ كَانَ الْفَرْضُ يُفْعَلُ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمٍ، فَقَدْ ادَّعَى مَا لَا يَعْرِفُهُ، إذْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّسْخِ سَبَبٌ. وَلَا تَارِيخٌ١، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ٢، مَوْلَى مَيْمُونَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ" لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ مُعَاذٍ، لِلِاخْتِلَافِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى رُوَاةِ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَقَدْ كَانَ عليه السلام يُرَغِّبُهُمْ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، فَنُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ، فَقَالَ: "لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ"، أَيْ كِلْتَاهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ" عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ غِنًى عَنْ مُعَاذٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِمُعَاذٍ غِنًى عَنْ صَلَاتِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَائِلُهُ مَعْنَى النَّسْخِ، فَيَكُونُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِمَّا أُبِيحَ بِحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَيَرْتَفِعُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا، وَلَا يَكُونُ نَسْخًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهُوَ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ، عِلَّةً لِهَذَا الْفِعْلِ، وَلِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ بِقَلِيلٍ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُون سَبَبًا لِارْتِكَابِ مَمْنُوعٍ شَرْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد٣ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَوْفٍ" الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ. وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ


١ روى الطحاوي: ص ١٨٧ عن عمرو بن شعيب عن خالد بن أيمن المعافري، قال: كان أهل العوالي يصلون في منازلهم، ويصلون مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنهاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيدوا الصلاة في يوم مرتين، قال عمرو: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: صدق، اهـ. وأعله ابن حزم في "المحلى" ص ٢٣٣ ج ٤ بالارسال، قلت: أيمن المعافري، الظاهر أنه أيمن بن عبيد المعافري، أخو سلمة بن زيد لأمه، استشهد يوم حنين، فلا شك أن خالداً أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، راجع "نصب الراية" ص ١٠١ ج ٢، من أول "كتاب السرقة" "والاصابة" ثم لا شك أن الحديث من مراسيل سعيد بن المسيب التي يصححها الشافعي، فلا ينبغي للشافعي أن يقول ما قال.
٢ حديث عمرو بن شعيب هذا أخرجه الطحاوي: ص ١٨٧. وابن حزم في "المحلى" ص ٢٥٩ ج ٤ من طريقه، وصححه، وفي: ص ١٢٥ ج ٢ من غير طريق الطحاوي، وأخرجه النسائي في "باب سقوط الصلاة عمن صلى مع الامام في المسجد" ص ١٣٨، وأبو داود في "باب إذا صلى في جماعة، ثم أدرك جماعة يعيد" ص ٩٣، وأحمد: ص ٤١ ج ٢، والدارقطني: ص ١٥٩.
٣ في "صلاة الخوف في باب من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين" ص ١٨٤، والنسائي في "صلاة الخوف" ص ٢٣١، والدارقطني: والحاكم من طريق الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة "صلاة الخوف" وفيه تكرار صلاة المغرب، قال الحاكم: سمعت أبا علي الحافظ يقول: هذا حديث غريب، وقال الحاكم: على شرط الشيخين، وقال البيهقي: لا أظنه إلا وهماً، راجع "البيهقي" ص ٢٦٠ ج ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>