للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ: أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ١ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إذَا قَعَدْت عَلَى حَاجَتِك فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ، وَهُوَ فِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ.

حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد٢. وَالتِّرْمِذِيُّ. وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عن مجاهد بن جبير عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا، انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" فِي الْقِسْمِ الثَّانِي. وَالْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ". والدارقطني، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِمَا"، وَعِنْدَهُمْ الْأَرْبَعَةُ: حَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، فَزَالَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ، ولفظهم فِيهِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، أَوْ نَسْتَدْبِرَهَا بِفُرُوجِنَا، إذَا أَهْرَقْنَا الْمَاءَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، انْتَهَى. وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، وَثَّقَهُ الْمُزَكُّونَ: يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَأَبُو زُرْعَةَ. وَأَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي "الْعِلَلِ" الْكَبِيرِ٣": سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.


١ البخاري في "باب من تبرز على لبنتين" ص ٢٦، ومسلم في "باب الاستطابة" ص ١٣١ ج ١، وأبو داود: ص ٣، والنسائي في "الرخصة في ذلك في البيوت" ص ١٠، وابن ماجه في "باب الرخصة في ذلك" ص ٢٨، والترمذي: ص ٣.
٢ ص ٤، والترمذي: ص ٣، وابن ماجه: ص ٢٨، والحاكم في "المستدرك" ص ١٥٤ ج ١، والدارقطني: ص ٢٢، وقال: كلهم ثقات.
٣ قال ابن القيم في "الهدى" ص ١٨ ج ٢: هذا الحديث عزاه الترمذي بعد تحسينه، وقال الترمذي في "كتاب العلل": سألت محمداً "يعني البخاري" عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث صحيح، رواه غير واحد عن ابن إسحاق، فإن كان مراد البخاري صحته عن ابن إسحاق، لم يدل على صحته في نفسه، فإن كان مراده صحته في نفسه، فهي واقعة عين، حكمها حكم حديث ابن عمر، لما رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقضي حاجته مستدبر الكعبة، وهذا يحتمل وجوهاً ستة: نسخ النهي به. وعكسه. وتخصيصه به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتخصيصه بالبنيان. وأن يكون بعذر اقتضاه لمكان أو غيره. وأن يكون بياناً، لأن النهي ليس على التحريم، ولا سبيل إلى الجزم بواحد من هذه الوجوه على التعيين، وإن كان حديث جابر لا يحتمل الوجه الثاني منها، فلا سبيل إلى ترك أحاديث النهي الصريحة الصحيحة المستفيضة بهذا المحتمل، وقول ابن عمر: إنما نهى عن ذلك في الصحراء، فهم منه لاختصاص النهي بها، وليس بحكاية لفظ النهي، وهو معارض بفهم أيوب للعموم، مع سلامة قول أصحاب العموم من التناقض الذي يلزم المفرقين بين الفضاء والبنيان، فإنه يقال لهم: ما حد الحاجز الذي يجوز ذلك معه في البنيان، ولا سبيل إلى ذكره حد فاصل؟ وإن جعلوا مطلق البنيان مجوزاً لذلك، لزمهم جوازه في الفضاء الذي يحول بين البائل وبينه، جبل قريب أو بعيد، كنظيره في البنيان، فإن النهي تكريم لجهة القبلة، وذلك لا يختلف بفضاء ولا بنيان، وليس مختصاً بنفس البيت، فكم من جبل وأكمة بين البائل وبين البيت، بمثل ما يحول جدران البنيان، وأعظم، وأما جهة القبلة فلا حائل بين البائل وبينها، وعلى الجهة وقع النهي، لا على البيت نفسه، فتأمله، اهـ. وتحقيق هذه المسألة في "هوامش ابن حزم" ص ١٩٦ ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>