للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ": قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ النَّبِيُّ عليه السلام فِي غَيْرِ حُكْمِ سَفَرٍ، وَهُمْ مُسَافِرُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، وَقِيلَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بالمتنفل، وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الْفَرْضِ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ عليه السلام كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ. فَاخْتَارَ الْإِتْمَامَ، وَاخْتَارَ لِمَنْ خَلْفَهُ الْقَصْرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ فِي حَضَرٍ، بِبَطْنِ نَخْلَةَ، عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ خَوْفٌ، فَخَرَجَ مِنْهُ مُحْتَرِسًا، انْتَهَى. قُلْت: قَدْ يَتَقَوَّى هَذَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْمَعْرِفَةِ" مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْخَوْفِ، بِبَطْنِ نَخْلَةَ١، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحَاصِرًا لِبَنِي مُحَارِبٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إلَّا أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ شَيْخَ الشَّافِعِيِّ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ، ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ يُحْفَظْ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ خَوْفٍ قَطُّ فِي حَضَرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَرْبٌ قَطُّ فِي حَضَرٍ إلَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَلَمْ يَكُنْ آيَةُ الْخَوْفِ نَزَلَتْ بَعْدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ٢ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ الْمَذْكُورَ، قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، حَتَّى نُهِيَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَائِدَةٌ: ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ. وَالْمَغَازِي، أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ: ذَاتُ الرِّقَاعِ. وَبَطْنُ نَخْلٍ. وَعُسْفَانُ. وَذِي قَرَدٍ، فَحَدِيثُ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَمُسْلِمٌ٣ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ


الطحاوي في "شرح اآثار" ص ١٨٧ عن قتادة عن اليشكري عن جابر، وقال البخاري. وابن معين: إن قتادة لم يسمع من اليشكري، ومنهم ابن حزم في "المحلى" ص ٢٢٦ ج ٤.
١بطن نخل جمع نخلة قرية قريبة من المدينة، موضعها على أربعة أميال من المدينة "وفاء الوفاء ص ٢٦١، فليراجع "الفتح" ص ٣٢٥ ج ٧.
٢ الطحاوي: ص ١٨٦، وقال قبله بسطرين: يجوز أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاها كذلك، لأنه لم يكن في سفر يقصر في مثله الصلاة، وهكذا نقول إذا حضر العدو في مصر، اهـ.
٣ عند البخاري في "غزوة ذات الرقاع" ص ٥٩٢ ج ٢، ومسلم: ص ٢٧٩، ولكن فيهما عمن صلى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخرج البخاري فقط حديث سهل عن طريق آخر، دون طريق مالك عن يزيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>